الشاعر ابن الطبيعة الشاذ .

* نشرت في جريدة "العراق" العدد 3302 في شباط 1931 بعنوان : "الشاعرية أو ابن الطبيعة الشاذ" .

إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ
سبيلُ العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُُّ

ومَا سَهلٌ حَياةُ أخي شُعورٍ
من الوجدان ينبُضُ فيه عِرقُ

أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً
حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرقُ

تفيضُ وضاحةً والعيشُ غِشٌ
سلاحك فيه أن يعلوك رَنْقُ (1)

وتحمل ما يجلّ من الرزايا
قُواكَ , وقد تخورُ لما يَدِقُّ

وقد تقسو ظروفٌ مُحوجاتٌ
عليك وأنتَ من وَرَقٍ أرق

يظُنّ الناسُ أنّك عُنجهُيُّ
وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقُُّ

قليلٌُّ عاذروكَ على انقباضٍ
أَحبُ الناسِ عندَ النَّاسِ  طَلْقُ

ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منهُ
على الخُلَطاءِ مَحمِلُهُ يشِقُُّ

شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي
له شِقٌ وطوعُ يديك  شِق

وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ
قِرى الأضياف قبلَ الزادِ خُلْقُ

وعذرُكَ أنت آلامٌ ثِقالٌ
لهنَّ بعيشةِ الأُدباءِ  لَصقُ

أحقُّ الناسِ بالتلطيفِ  يغدو
وكلُ حياتِه عَنَتٌ  وزَهْقُ

تسيرُ بكَ العواطفُ للمنايا
وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمقُ

وحتى في السكوتِ يُرادُ حزمٌ
وحتى في السلامِ يُرادُ حِذقُ

يريدُ الناسُ أوضاعاً كثاراً
وفيكَ لما يُريدُ الناسُ  خَرقُ

خضوعُ الفردِ للطبقاتِ فَرضٌ
وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقُّ

نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ
شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْقُ

وعندّكَ قوَّةُ التعبيرعَمَّا
تُحسُّ ، وميزةُ الشُعَراءِ نُطْقُ

حياتُكَ أَنْ تقولَ ولو لهاثاً
وحُكمٌ بالسكوتِ عليكَ شَنْقُ

فما تدري أتطلقُ مِن عنانِ
القريحةِ أم تُسفُّ فتُستَرَقُّ

فإن لم تُرضِ أوساطاً وناساً
ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدقُ

ولم تَقُلِ "الشريفُ أبوالمعالي"
وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْقُ

ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكماً
بأنهما لميلِ الشَعب وَفقُ

دُفِعتَ إلى الرعاعِ فكان شَتمٌ
ورحتَ إلى القضاءِ فكانَ خَنْقُ

بقاءُ النوعِ – قال – لكلِّ فردٍ
"أُحطُّ شمائلي عَدلٌ ورِفقُ"

قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي
لمن لم يعرف التهويش طَرْقُ (2)


(1) الرنق : صفة للماء الكدر
(2) الطرق : الماء الذي خوضته الأبل .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م