* نظمت عام 1932 .
أرى الدهر مغلوباً وغالبا
![]() فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا
![]() ولا تكذبنْ ، ما في البرية راحمٌ
![]() ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا
![]() تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً
![]() وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا
![]() وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكنوا
![]() ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا
![]() إلى روح "مكيافيل" نفحُ تحية
![]() وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا(1)
![]() أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعدما
![]() أقام الورى ستراً وحاجبا
![]() ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ
![]() من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا
![]() أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ
![]() محامدَ والحرمانَ منها معايبا
![]() أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ
![]() يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا
![]() لحفظ "الأنانياتِ" سُنَّتْ مناهجٌ
![]() على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا
![]() يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه
![]() ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا
![]() فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة
![]() على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا
![]() فليس لأني ذو شعور وإنّما
![]() أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا
![]() هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها
![]() إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا
![]() بلى ربما أهوى سواها لأنه
![]() يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا
![]() ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً
![]() على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا
![]() فلو كنت دينيّا تخذت محمداً
![]() وعيسى وموسى حجة وركائبا
![]() تناهبتُ أموالَ اليتامى أحوزُها
![]() وأجمعُها باسم الديانة غاصبا
![]() ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها
![]() ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا
![]() ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ
![]() سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا
![]() تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ
![]() ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا
![]() ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه
![]() سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا
![]() فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً
![]() أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا
![]() لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ
![]() أفسّر منه ما أراه مناسبا
![]() وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً
![]() من السيف هنديا وأمضى مضاربا
![]() أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا
![]() وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا
![]() أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ
![]() وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا
![]() وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا
![]() أضيّع "ألكاكاً" عليه رواتبا
![]() أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي
![]() كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا
![]() فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها
![]() أخفَ أذىً منها وألين جانبا
![]() أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه
![]() أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا
![]() أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً
![]() أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا
![]() وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً
![]() وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا
![]() فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً
![]() وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا
![]() * * *
![]() ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً
![]() ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا
![]() ولو كنت مهما كنت فرداً فانني
![]() لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا
![]() ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا
![]() عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا
![]() فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ
![]() وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا
![]() دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي
![]() ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا
![]() |
(1) هو صاحب (كتاب الأمير) في السياسة والقائل بوجوب استعمال الشدة والعنف في الحكم ونبذ الرحمة .
المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م
الصفحات: 1 2