احمد شوقي .

فيا نجلَ مصرَ وفَتْ برَّةً
بذكراكَ "مصرُ" وأنتَ الأبَّر

مئاتُ الصحائفِ مسودةٌ
مُجلَّلةٌ بمئاتِ الصُور

ظهرتَ بها وجناحُ البيانِ
مهيضٌ ، وأسلوبُه مُحتقر

بقايا من الكَلِمِ الباقياتِ
تناقَلَها نفرٌ عن نفر

ولفظٌ هجينٌ ثوَتْ تحتهُ
معانٍ لِقلَّتها تًحتكر(1)

وحسبُكَ من حالةٍ رثَّةٍ
بفرطِ الجمودِ الجمودِ لها يعتذر..!

فكنتَ وعِلَّتها كالطبيبِ
يُنْعش جسماً عراهُ الخَوَر(2)

تُعَلِّمُها أنَّ للعبقريِّ
حكْماُ مُطاعاً إذا ما أمر

وأنَّ القوافي عِبِدَّى له
يُفَرِّقُ أشتاتَها أو يَذر(3)

يصوغُ المعاني كما يشتهي
ويلعبُ باللفظِ لعبَ الأكر

"عُكاظُ" من الشعر تحتلّهُ
ويرعاهُ "حافظُ" حتى ازدهر(4)

تلوذُ الوفودً بساحَيْكمُا
وتأتيهِ من كلِّ فجٍّ زُمر

تُبَجَّلُ فيه مزايا الشُعور
على حينَ في غيرهِ تًحتَقَر

وتًنسى الضغائنُ في ساحةٍ
بها كلُّ مكرُمةٍ تُدَّكر

وأنت كصمصامةٍ مُنتضىً
و "حافظُ" كالأبلقِ المشتَهَر(5)

تمشَّى بإثْركَ في شِعره
وماتَ .. وأعقبتَهُ بالأثر

بقدْرِ اختلافِكما في النُبو
غِ كانَ اختلافُكما في العُمُر

فلا تَبعُدا إن شأنَ الزما
نِ أنْ يُعقِبَ الصفوُ منه الكَدَر

عزاءُ الكِنانة أنَّ القريضَ
تأمَّرَ دهراً بها ثمَّ فَر

بنجمينِ كانت تباهي السما
وما في السما من نجومٍ كُثُر

بشوقي وحافظَ كانت متى
تُنازلْ بمعركةٍ تَنتصِر

فها هي قد عَريتْ منهما
وها هي من وحشةٍ تَقْشَعِر

فلا تحسبنْ أنَّ طولَ البكا
يذودُ الأسى او نِثارَ الزَهر

* * *

خسرناكَ كنزاً إلى مثلِهِ
إذا أحْوَجَتْ أزمةٌ يفتقر

وما كنتَ من زمنٍ واحدٍ
ولكنْ نِتاجَ قُرونٍ عُقُر

مضى بالعروبةِ دهرٌ ولمْ
يَلُحْ ألمعيٌّ ومرت عُصُر

وإن النُبوغَ على ما يُحيطُ
بعيشِ النوابغِ أمرٌ عَسِر

يثيرُ اهتماماً أديبٌ يجد
كما قيلَ نجمٌ جديدٌ ظهر

قرونٌ مضتْ لم يسُدِّ العراقُ
مِن المتنبي مكاناً شَغَر

ولم تتبدلْ سماءُ البلادِ
ولا حالَ منها الثَّرى والنَّهر

ولم يتغيرْ عَروضُ الخليل
ولا العُربُ قد بُدلّوا بالتَتر

ولكِنَّما تُنْتُجُ النابهينَ
من الشاعرينِ دواعٍ أُخَر

فنْ فُقدَتْ لم يشعَ الأريبُ
الا ليخبو كلمحِ البَصَر


1) الهجين : الساقط المرذول .
(2) الخور : الضعف والإنحطاط .
(3) عبدى : لغة البيد .
(4) اشارة الى حفلة تكريم شوقي التي اقيمت له في مصر ووصلتها الوفود من كافة البلدان وبايعه فيها حافظ بإمارة الشعر بقولة من قصيدة كبيرة : أمير القوافي قد أتيت مبايعاً = وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
(5) الصمصامة : السيف وسمي به عمرو بن معد يكرب أحد شجعان العرب ، الأبلق الفرد : اسم لحصن السموأل بن عاديا الذي يضرب به المثل بوفائه .