عتاب مع النفس .

ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ
سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب 

أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء
وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب! 

وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي
حريصاً على المنظر المُكْرِب! 

وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات
أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب! 

حَملتُ همومي على مَنكِبٍ
وهمَّ سوايَ على مَنكِب 

ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين
أُفكّرُ فيهمْ ، وفي الأقرب! 

ولمَّا فَطَنتُ على حالة
تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب.. 

نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ
وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب! 

أخذتُ بمخنَق هذا الزمان
لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب! 

 * * *

ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ
متى لم أُنعَّمْ بها تذهب 

ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها
وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَب.. 

تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان
عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب 

وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ
ما يَستبينُ وما يَختبي 

تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً
من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب! 

وأن الزمانَ مشى مُسرعاً
يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي ! 

وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ
ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي ّ ! 

وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ
مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب 

لقَلَّلَ من خَطوةِ جاهداً
كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب!  (1)

ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني
من العيش بالبارق الخُلَّب 

مُغاَلطَةً ، إنّ شرَّ العَزاءِ
تعليلُ نفسك بالمُكذَب! 

 * * *

وإني على أن هذا المزاج
رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب 

وَرَفَّتْ ظِلالٌ تُشِيعُ القُنوط
على صَفْحَتيْ وجهيَ المُتعَب

وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ
أهوى حياةَ خليٍّ غبي 

لأحمِلُ ، للفُرَص السانحاتِ
وللأرْيحيَّة، نفْسَ الصبي 

طليقاً من التَبِعات الكثارِ
حُرَّ العقيدة والمذهب 

طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح
فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب 

تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب
وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب 

و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم
على النفس مَسغبَةُ المُترِب  (2)

فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي
فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب! 

 * * *

دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ
وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب (3)

ولا تَحتفِل بكتاباتهِ
أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب ! 

فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً
يداك ، فدُونَكَها فاحلِب 

فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني
مع الواردينَ ولم تشرَب 

تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ
إلى الذئبِ تُعزَى ، أو الأرنب 

وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ
وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب! 

ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به
إذا كان لابُدَّ من مَضرَب!


(1) المثقلة المقرب : المرأة التي دنا وقت مخاضها .
(2) المترب “كالمدقع” اللاصق بالتراب لفقره .
(3) الرسل : الانئاد في السير .