أبو العلاء المعري .

* ألقيت في مهرجان ذكرى أبي العلاء المعري، الذي أقامه المجمع العلمي العربي بدمشق، وكان الشاعر ممثلاً للعراق. 
* نشرت في جريدة "الرأي العام" العدد 1121 في 5 تشرين الأول 1944.

قِفْ بِالْمَعَرَّةِ وَامْسَحْ خَدَّهَا التَّرِبَا
وَاسْتَوْحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنْيَا بِمَا وَهَبَا(1)

وَاسْتَوْحِ مَنْ طَبَّبَ الدُّنْيَا بِحِكْمَتِهِ
وَمَنْ عَلَى جُرْحِهَا مِنْ رُوحِهِ سَكَبَا

وَسَائِلِ الحُفْرَةَ الْمَرْمُوقَ جَانِبهُا
هَلْ تَبْتَغِي مَطْمَعاً أَوْ تَرْتَجِي طَلَبَا؟

يَا بُرْجَ مَفْخَرَةِ الأَجْدَاثِ لا تَهِنِي
إنْ لَمْ تَكُونِي لأَبْرَاجِ السَّمَا قُطُبَا

فَكُلُّ نَجْمٍ تَمَنَّى فِي قَرَارَتِهِ
َوْ أنَّهُ بِشُعَاعٍ مِنْكِ قَدْ جُذِبَا

والمُلْهَمَ الحَائِرَ الجبَّارَ، هَلْ وَصَلَتْ
كَفُّ الرَّدَى بِحَيَاةٍ بَعْدَه سَبَبا؟(2)

وَهَلْ تَبَدَّلْتَ رُوحَاً غَيْرَ لاَغِبَةٍ
أَمْ مَا تَزَالُ كَأَمْسٍ تَشْتَكِي اللَّغَبا(3)

وَهَلْ تَخَبَّرْتَ أَنْ لَمْ يَأْلُ مُنْطَلِقٌ
مِنْ حُرِّ رَأْيِكَ يَطْوِي بَعْدَكَ الحِقَبَا(4)

أَمْ أَنْتَ لا حِقَبَاً تَدْرِي، وَلا مِقَةً
وَلا اجْتِوَاءً، وَلا بُرْءَاً، وَلا وَصَبَا(5)

وَهَلْ تَصَحَّحَ فِي عُقْبَاكَ مُقْتَرَحٌ
مِمَّا تَفَكَّرْتَ أَوْ حَدَّثْتَ أو كُتِبَا؟(6)

نَوِّر لَنَا، إنَّنَا فِي أَيِّ مُدَّلَجٍ
مِمَّا تَشَكَّكْتَ، إِنْ صِدْقَاً وَإِنْ كَذِبَا(7)

أَبَا العَلاءِ وَحَتَّى اليَوْمِ مَا بَرِحَتْ
صَنَّاجَةُ الشِّعْرِ تُهْدِي الْمُتْرَفَ الطَّرَبَا(8)

يَسْتَنْزِلُ الفِكْرَ مِنْ عَلْيَا مَنَازِلِهِ
رَأْسٌ لِيَمْسَحَ مِنْ ذِي نِعْمَةٍ ذَنَبَا

وَزُمْرَةُ الأَدَبِ الكَابِي بِزُمْرَتِهِ
تَفَرَّقَتْ فِي ضَلالاتِ الهَوَى عُصَبَا

تَصَيَّدُ الجَاهَ وَالأَلْقَابَ نَاسِيَةً
بِأَنَّ فِي فِكْرَةٍ قُدَسِيَّةٍ لَقَبَا

وَأَنّ َلِلْعَبْقَرِيّ الفَذِّ وَاحِدَةً
إمَّا الخُلُودَ وَإمَّا المَالَ والنَّشَبَا

مِنْ قَبْلِ أَلْفٍ لَوَ أنَّا نَبْتَغِي عِظَةً
وَعَظْتَنَا أَنْ نَصُونَ العِلْمَ وَالأَدَبَا


(1) – التَّرِب : الذي يكسوه التراب.
(2) – الملهم : منصوبة ب” سائل” مضمرة.
(3) – اللاغبة : المتعبة.
(4) – لم يأل : لم ينفك ولم يبرح.
(5) – المقة : الحب، والاجتواء: البغض.
(6) – تفكرت: بمعنى فكرت.
(7) – المدَّلج : المسير في آخر الليل خاصة.
(8) – الصَّنْج : من آلات الطرب، وصناجات الشعر المغنون به والمرققون إياه.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثالث-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1974م