عاشوراء .

* نظمت عام 1935م . 
* أعيد نشرها في جريدة "الرأي العام" العدد 225 في 24 تشرين الثاني 1947م .

هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا
ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا

وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً
على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا

مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً
تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا (1)

وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً
على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا

ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى
لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا

تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه
على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا

وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه
وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا

* * *

حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً
بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا

وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ
أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا

وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة
وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا

وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ
من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا

ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ
من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا (2)

وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله
أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى

وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ
عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى

* * *

أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً
بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا

وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة
مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا

فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق
على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا

وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ
تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا

وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ
مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى

وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن
لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا

وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ
لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا

فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ
عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا

تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ
وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا

وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا
سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا (3)


(1) أخدر الليث : قر في عرينه .
(2) العارض : السحاب .
(3) الخِمس بالكسر : أن ترعي الأبل ثلاثة أيام و ترد اليوم الرابع .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م