يُذْهِلُ النفسَ سحرُه .. ما تخطّى
![]() من معاييرِهِ .. وما تتقفّى (15)
![]() أنت " إكْليكُ " يا طفيفاً من اللَّحم
![]() على العظم كاد أن يُستشفّاً (16)
![]() ألَّفَ " الفنُّ " صورةً منكِ تنا
![]() هت في الحسن لُطفاً وعُنفاً
![]() دَفَعَ الصدر دَفعةً أعجب
![]() النهدينِ منه طيبُ المُقام فرّفا (17)
![]() الشَّهيانِ لُملِما فاستدارا
![]() فاستثارا، فاستضريا، فاستخفّا (18)
![]() وثنى طيّةً فضمَّرَ كَشْحاً
![]() ورأى فُسحةً فدوَّر خَلْفا (19)
![]() * * *
![]() يا نديمي ولا يُخِفْكِ نديمٌ
![]() أَثْقَلَتْهُ سودُ الليالي فخفّا (20)
![]() حُرِم العيشَ مُمتعاً .. فهو يُلفي
![]() مُتعةً منه نعمةً حيث تُلفى
![]() يخطَفُ النبعَ بين ثَغْريكِ يخشى
![]() وعدَ صدقٍ من نبعه أن يجِفّا
![]() وعد صدقٍ، وكلُّ وعدٍ صدوقٍ
![]() غيرِه .. طالما تحيَّن خُلْفا
![]() في دمي ثورةٌ على الموتِ تَكْفي
![]() أن تعفِّي عليه لو كان يكفى (21)
![]() ما ألذَّ الحياةَ لولا نهايا
![]() تُ مطافٍ ملآنَ رُعباً وسُخفا
![]() يَنْفَدُ العمرُ شدّ ما كان حَوْجاً
![]() كسِراجٍ في فحمةِ الليل يُطفا (22)
![]() ليتَ أنَّ الحِمام، إذ لم يكنْ بدٌ
![]() من الموت، علةٌ ثم تُشْفى (23)
![]() يجد المرءُ بعدَها العيشَ أحلى
![]() وهباتِ الدنيا ألذَّ وأَصْفى
![]() أَفحتْمٌ .. وإن ثوى المرءُ ألفاً
![]() أن يُذرّى ذروَ الترابِ ويُعْفى (24)
![]() فلمَ الزهرُ، والربيعُ ، وشدوٌ
![]() مثلُ سَجْعِ الحمام حلوٌ مقفى ؟!
![]() ولِمَ الثلجُ، والشتاءُ وشُمٌّ
![]() من نُهودٍ بجمرِها يُتدفى ؟!
![]() ولمَ الصيفُ عارياً يتقاضى
![]() واجباتِ النفوس عُرياً وكشفا ؟!
![]() ليت شعري والموتُ مثلُ عُقابِ
![]() الْجوِ يُدمِي بنا مخالبَ عُقفا (25)
![]() أَقرابينُ نحنُ شوهاءُ تُزْجى
![]() للإلهِ الغضبانِ قُربى وزُلْفى ؟ (26)
![]() أمْ عقولٌ صنائعٌ سيطر الوهمُ
![]() عليها فرُحْن يَرْقُبن حَتْفا (27)
![]() أم ألاعيبُ من دُمى صُنعِ فذٍّ
![]() طوعُ كفّيهِ ما يُخَط ويُنْفى
![]() أم على الكوكبِ العجيبِ من
![]() الغيبِ رُصودٌ يُمْتِعنَ إلْفاً وإلفا
![]() أن يعيشا عمرَ النُّجومِ وأن
![]() يستكفيا في الحياة ما ليسَ يُكفى ؟ (28)
![]() * * *
![]() يا نديمي .. وما غدٌ .. والليالي
![]() ثمرٌ يُشتَهَى فيُخطَف خَطْفا
![]() يسخَراليومُ من غدٍ خائرَ الهمّة
![]() من كل ما يُعنِّيه يُعفَى (29)
![]() يُترجَّى ويُختَشَى ليس يُدرَى
![]() يُولَدُ الصُبح منه .. أم يُتوفَّى (30 )
![]() أنت " إكليكُ " ها هنا .. تملأين
![]() السمعَ والعينَ والأحاسيسَ لُطْفا
![]() أَتَملَّى عينيكِ عِرقاً فعِرقا
![]() وحديثاً سَجَعتِ حَرفاً فحرفا
![]() ووِشاحاً أضفيت ما اللونُ منه
![]() وجَديلاً صَفَفتِه كيف صُفّا (31)
![]() ولكم صانتِ الهَوى ذكرياتٌ
![]() هنَّ أبقَى ذِكراً، وأغنى، وأوفى
![]() |
(15) تخطى: تجاوز. تتقفى: تتبع.
(16) أكليك: دليلة الشاعر في رحلته إلى فارنا.
(17) أللف في ” رفّا ” ألف الاثنين. والضمير في ” دفع ” يعود على الفن.
(18) استضريا: استوحشا أي صار وحشين، من الضراوة.
(19) الضميران في ” ثنى ” و ” رأى ” يعودان على الفن. ضمّر: هضم ونحف. الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
(20) يا نديمي، الخطاب موجه إلى أكليك. نديم الثانية: الشاعر نفسه.
(21) تعفّى عليه: تقضي عليه وتذهب به. يكفى: يدفع ويقضى عليه.
(22) حوجاً: حاجة. ينفد: ينتهي.
(23) الحِمام: الموت.
(24) ألفاً: ألفاً من السنين. يعفى: يبلى ولا يبقى له أثر.
(25) عقف: جمع أعقف وهو المنحني المعوج.
(26) تزجى: تساق، قربى وزلفى: تقربا.
(27) الحتف: الموت.
(28) يستكفيان ما ليس يكفى: يطلبان من الكفاية ما لا يتحقق لهما.
(29) يعنيه: يتعبه.
(30) اختشى هنا خَشِي.
(31) الوشاح: ما تشدّه المرأة بين عاتقها وكشحها. والجديل: الشعر المضفور.