ذكرى عبدالناصر .

قالوا : أبٌ بَرٌّ فكانت أمّةٌ
أَلِفاً، ووحدك كنت فيها الباءَ (8)

خَبَطَتْ كعشواءٍ عُصوراً، وانثنت
مهزومةً، فأثرتَها شعواءَ

وأَنرتَ دربَ الْجيل شاءت دربَهُ
حيلُ الطغاةِ عميّةً تيهاءَ

وعَرَفْتَ إيماناً بشائرَ وعيِهِ
إذ كان يعرِف قبلها إِغواءَ

وانصعتَ في سُود الخطوب لئيمةً
تُسدى طلائعَهُ يداً بيضاءَ

وبرمتَ بالطبقات يحلبُ بعضُها
بعضاً، كما حلَب الرعاةُ الشاءَ

وودِدتَ، لو لم تعترف شرّبْهِما،
لا الأغنياءَ بها ولا الفقراء (9)

وجهِدتَ أن تُمضي قضاءَك فيهما
لتُشيد مجتمعاً يَفيضُ هناءَ

أسفاً عليك، فلا الفقير كفيته
بؤساً، ولا طُلتَ الغنيَ كفاءَ (10)

قد كان حولَك ألفُ جارٍ يبتغي
هدماً، ووحدَك من يُريد بناءَ

* * *

لله صدرُك، ما أشدَّ ضُلوعَه
في شدّةٍ، وأرقَّهن رثخاءَ

تلج السياسَة في تناقض حالها
فتُطابِقُ العزماتِ والآراءَ (11)

كرّاً، وإحجاماً، ورقّةَ جانب
وصلابةً، وسلاسةً ودهاءَ

ورأيت في " أسوان " قدرة ساحرٍ
يسعى ليوسع ميتا أحياءَ

وبعثتَه حياً، ودُسْتَ مشكّكاً
وصَفَعْتَ همّازاً به مشّاءَ (12)

وقَمرتَ شرَّ مقامرٍ وكسبته
وسلبته أوراقه السوداءَ (13)

وَرَدَدْتَ كيدَ مكايدٍ في نحره
واصطدته بشباكِهِ إغراءَ

ولففتَ رأسَ الأُفْعُوانِ بذيلهِ
وقطَعتَهُ، وخطبتَها بَتْراء (14)

وصنعتَ معجزةَ " القناة " ورُعتَهم
وسقيتَهمْ حممَ الجحيمِ الماءَ

* * *

وعصرتَ طاقاتِ الْجموعِ، ورُزْتَها
فوجدتَها ولاّدةً عُشَراء (15)

وجَسَسْتَ أوتار النُّفوس فوقّعت
لك طُوَّعاً أَنغامَها السمراءَ (16)

أَلقتْ إليك قُلوبَها وعُروقَها
سمحاءَ ما شاء الندى معطاءَ

فإذا نَطْقَتَ ملكتَ مهجةَ سامع
وخشوعها، والسمع والإصغاءَ

وإذا سكتَّ أشاع صمتُكَ رهبةً
حتى يُخالَ كتيبةً خرساءَ (17)


(8) أي أنت للأمة كالباء للألف في كلمة ” أب “.
(9) تعترف: تعرف.
(10) لم برتفع البؤس عن الفقير ولم يسترد الزائد من الغني.
(11) تطابق: تساوي.
(12) هماز مشّاء: نمام.
(13) قمرت: غلبت.
(14) وخطبتها بتراء: شديدة.
(15) العشراء: الحامل لعشرة أشهر أي مكتملة الحمل منتظرة النتاج، كناية عن النضج.
(16) طوّع: جمع طائع.
(17) الكتيبة الخرساء: الكتيبة: الجيش، الخرساء: الداهية.