ذكرى عبدالناصر .

أُثني عليك، على الجموعِ يصوغُها
الزعماءُ، إذ هي تخلق الزعماءَ

ورؤى " حزيران " وحسبك أنه
يحيي لنا برؤاه " عاشوراءَ " (18)

ناهضتَ فانتهضتْ تجرُّ وراءها
شمَّ الجبال عَزيمةً وَمَضاءَ

واقتدتَها فمشت يسدِّدُ خَطْوَها
إن كنت أنت دليلَها الحدّاءَ

ونُكِستَ، فانتكستْ، وكنت لواءها
يهوي، فما رَضِيَتْ سواك لواءَ (19)

ثقة، يَحارُ بها النهى، ومعزّة
تاهت على هام السُّها خيلاءَ (20)

قالوا: عمىً في العاطفات، ونَدْرةٌ
بَعْثُ الزعيم عواطفاً عمياءَ

كانوا وُعاةً يأخذون طريقهم
للموت، لا غُفْلا ولا أجَراءَ (21)

خار الضعاف دروبَهم، وتخيّرت
هممُ الرجال مشقَّةً، وعناءَ (22)

ما كان ذنبكَ أن يطول على السُّرى
ليلٌ يُطيل صباحُه الظلماءَ

يَطْوي عليه الناكصون جَناحَهم
ويضمّ تحت جناحه " العملاءَ "

كلّ، ولا ذنبُ الجموع بريئةً
عذراءَ من غصب العَفاف بُراء (23)

ما كان ذنبَ كليكما عدد الحصى
أمم نُهين بوطئها الحصباءَ

* * *

يا مصرُ نحن الحالمون كما ادّعوا ؟
حاشا، وبئست نزعةٌ تتراءى

إنا رئاتٌ في حنايا أمّةٍ
راحت بنا تتنفَّس الصُّعداء

لم نأتِ بِدعاً في البيان وإنما
كنّا لما حَلَمتْ به اصداءَ

لسنا ملائكةً، ولكن حسْبُنا
إغراؤها، لنقاوم الإغراء

نُلفي بما وهبت لنا من وحيها
عن كلِّ ما تَهَبُ الحياةُ عزاءَ

لا هُمَّ عَفْوَك، إننا من قلّة
خُلِقَت لتعطيَ حقَّها الأشياءَ

خلقت لتُدرِكَ ما يخامرُ نملةً
في زَحْفها، وحمامةً ورقاءَ

لتعيشَ مأساةَ الخليقةِ كلَّها
ولتستبينَ دواءَها والدّاءَ

وارحمتا للمبصرينَ تكلّفوا
أن يُسدلوا عمّا يرون غشاءَ

دَوّت حماساتُ الرجال، وأَرْزَمَتْ
حتى لتستبقُ الْجِمال رُغاءَ (24)

ما أشجع " الآسادَ " تعجز كلُّها
عن أن تنازلَ حيّةً رقطاء !!

خمسٌ مِئون ملّةً وعروبةً
تعطي الصَّغار ثلاثة لقطاءَ (25)

تلهو و " ثاني القبلتينِ " مباحةٌ
وتُعيّدُ " المعراج " و " الإسراءَ "

وتُزخرف الحلقاتِ كلَّ عشيّة
لتقيمَ " زارا ط أو تشُنَّ دعاءَ (26)

وتكدِّسُ الذهبَ الحرامَ كأَهلِهِ
تجد الحياة مذلّةً وثراءَ

وتطارد الفكر الشريفَ كأنّها
منه تطارد " هيضة " ووباءَ

ويشارك " الدُّستورُ ! " وعيَ مناضل
بالمجرمين عقوبةً وجزاءَ

وتُفلسفُ الْجورَ العسوفَ وتجلد
الدينَ الحنيفَ ليستحيل عطاءَ

من فوقِ أعناق المشانقِ تدّلي
خيرُ الرؤوس شهامةً ووفاءَ

وتكاد أقبية السُّجونِ غضاضةً
وأسىً تَصيح لترحم السجناءَ

وتعود تَعْجَبُ كيف كان مكانُها
من حيث تنطلق الحياةُ وراءَ

فيم التعجّبُ ؟ لا نحمِّل وِزرَنا
قَدَراً، ولا ما نحنُ فيه قضاءَ

رُحنا نقصُّ من الجَناح قوادماً
وخوافياً قصَّ الغريرِ رداءَ

ونزِفّ لا الأرض الوطيئة نرتضي
وكراً، ولا يرقى الجناح سماءَ (27)


(18) عاشوراء: العاشر من شهر محرم، يوم مقتل الحسين، كناية عن الحزن.
(19) إشارة إلى استقالته.
(20) السها: كوكب.
(21) غفلا: تعني هنا جمع غافل.
(22) خار: اختار.
(23) براء: مخفف ( برءاء ) جمع بريء.
(24) أرزمت: اشتد صوتها كالرعد إذ يرزم.
(25) خمسٌ مئون وعروبة: خمسمائة مليون مسلم وعربي. الصغار: الذل. ثلاثة لقطاء: ثلاثة ملايين من اللقطاء أي الصهاينة.
(26) إقامة الزار: إقامة الذكر لدى جماعات الصوفية، وهي من الألفاظ المعروفة في مصر.
(27) زف الطائر: بسط جناحيه مقترباً من الأرض متراميا نحوها.