حماةَ الفكر .. قِيْلةَ مستنيب
يجنبُ نفسَه قيلا وقالا (18)
تنقلَ رحلُهُ شرْقاً وغرباً
وحط هنا بسوحِكُمُ الرِّحالا
يحرّقُ نفسَه فيكمْ سِراجاً
ويستبقي له منه الذُّبالا (19)
يُطَوِّحُها بوحي من ضمير
كبُرجِ الشَّمس ظهراً واعتدالا
يحاول بعدَ دنيا من عذابٍ
عن الدنيا وما فيها اعتزالا
فصونوه من العادِينَ ضبحاً
ووقوه التماحكَ والجدالا (20)
كفاهُ ألفُ نافثةٍ سعيراً
فخلُّوه وخافِقَةً ظِلالا
وفي جنبيَّ نفْسٌ لو تراءت
لكُمْ لرأيتُمُ العَجَبَ المُحالا
أَسُلُ النصلَ عن جُرحٍ نزيفٍ
فأُلْفي تحت حُفْرته نِصالا
كأن مشارفَ الدُّنيا ضبابٌ
مقيم لا يزول ولن يُزالا
كأن غدي على عَيْنَيَّ منه
حجابٌ راح يَنْسدلُ انسدالا
كأني من غدٍ داجٍ وأمسٍ
محيل، ليس يُعْرفُ كيف حالا (21)
مَلِلْتُ الطارئاتِ فما أُبالي
أتشكو الهَجْر، أم تشكو المَلالا
ومن حسناتِ عُمرِك أن تهزّا
بما يُغري سواكَ إذا استطالا
تُعدِّدُ ساعةً منه وأخرى
فلا سُؤلاً تَعُدّ ولا سُؤالا
* * *
أحبَّتيَ الذين يَعُونَ قَولي
رَصيناً، لا اغترارَ ولا اختيالا
لكم عندي حقوقٌ لا تُوَفَّى
ولو صُغتُ النُجومَ لها مِثالا
ولي حقٌ عليكم أَوْجَبتْه
قوافٍ رُجِّعتْ حِقَباً طِوالا
تَهُزُّ مُبرَّحينَ على البَلايا
وتكشِفُ عنهمُ الداءَ العُضالا (22)
نَشَدْتُكُمُ المحبَّةَ والتصافي
ومُنطلَقَ الأخوَّةِ والمآلا (23)
وطيبَ جِوارِكم إلاّ شَدَدْتُم
عُرىً للوُدِّ تَأبَى الانحِلالا
|
18) مستنيب: متجنب.
(19) الذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة.
(20) العادون هنا الأعداء الظالمون والمعتدون، الضبح: النباح.
(21) محيل: متغيرن فانٍ. حال: تغير.
(22) مبرح: من برَّح، وبرُح به الداء اشتدّ به.
(23) المآل: المرجع.