تحية .. ونفثة غاضبة .

وقلتُ لحاقدينَ عليَّ غيظاً
لأني لا أُحبُ الاحتيالا

هَبُوا كلَّ القوافِلِ في حِماكُمْ
فلا تَهْزَوا بمن يَحْدُو الجِمالا

ولا تَدَعُوا الخصامَ يجوزُ حدّاً
بحيثُ يعود رُخْصاً وابتِذالا

وما أنا طالبٌ مالاً لأني
هنالِكَ تاركٌ مالاً وآلا

ولا جاهاً، فعندي منه إرثٌ
تليدٌ لا كجاهِهِمُ انتِحالا

ولا أنا مَن يلوكُ دَمَ الأضاحي
يلمُّ جُلودَها للسُحْت مالا (24)

حَذارِ فإنَّ في كَلِمي حُتوفاً
مخبأةً، وفي رَمْلٍ صِلالا

وأنَّ لديَّ أرماحاً طِوالاً
ولكنْ لا أُحِبُّ الاقتتالا

تَقَحَّمْتُ الوَغَى وتَقَحَّمَتْني
وخُضتُ عَجاجها حَرْباً سِجالا

فكانَ أَجَلَّ مَن قارعتُ، خصمٌ
بنُبْلِ قِراعه رَبِحَ القِتالا

ولم أر كالخُصومة من مَحَكٍّ
يبين لكَ الرُجُولةَ والرِجالا

وأخبثُ ناهزٍ مَنْ راح عَمْداً
يُسيء حَراجةَ الضَيفِ اغتِلالا (25)

ويا لَحَراجةِ القَلبِ المُعَنَّى
يُرادُ بمن يُعَنِّيهِ انشِغالا

فكم من قَوْلةٍ عندي تَأَبَّى
لها حسنُ الوِفادةِ أنْ تُقالا

ستُضرَبُ فيهم الأمثالُ عنها
إذا انطلَقَتْ وجاوَزَتِ العِقالا (26)

وعندي فيهِمُ خبرٌ سَيَبْقى
تغامَزُ منه أجيال تَوالَى (27)

حّذارِ فكم حَفَرتُ لُحودَ عارٍ
لأكرمَ منهُمُ عَمّاً وخالا

* * *

ويا صَفْوَ الوفاءِ أبا حُنَينٍ
نداءً يستجيبُ لكَ امتِثالا (28)

أخَا الكَلِمِ النوابِضِ بالمعاني
فلا عِلَلاً شَكَونَ ولا هُزالا

يُجسِّدُها فهُنَّ دَمٌ ورُوحٌ
وبعضُ القَول يُغتالُ اغتِيالا

ويَنحَلَهُن فكرُكَ حَيثُ ترضَى
بنات الفكرِ تُنْتَحَلُ انتِحالا

ويا مَنْ زادَ قَدْرَ المجدِ مَجْدا
ومن جمَعَ التواضُعَ والجَلالا

ومن كَسَبَ الرِهانَ على المعالي
وفي أيّ القِداحِ بها أَجالا (29)

حَبَبْتُك حُبَّ من يُصفِي هَواه
لمن يهْوى انفِعالاً لا افتِعالا

على بُعْدٍ عَرفْتُ هَواكَ، تحصى
مَحَطَّ خُطايَ حِلاًّ وارتِحالا (30)

وهذا أنتَ عن قُرْبٍ صَفيّاً
يزين بحبِّهِ القَولُ الفَعالا

* * *

حُماةَ الفكرِ والأدبِ المُصفَّى
يزينان الشّمائِلَ والخِصالا

سماحاً إنْ شكا قلمي كلالا
وإن لم يحسنِ الشِعرُ المَقالا


(24) السحت: المال الحرام.
(25) الاغتلال: الاستغلال.
(26) العقال: ما يُشدّ به.
(27) توالى: تتوالى.
(28) أبو حنين: هو الحاج محمد ( باحنيني ) وزير الثقافة في ” المغرب ” العربي، وشخصية بارزة، وهو صديق للشاعر وقد ترأس الاحتفال التكريمي الذي أقيم له في قاعة محمد الخامس في ” الرباط “، وهو الاحتفال الذي أنشدت فيه هذه القصيدة.
(29) القداح: جمع قدح وهو السهم قبل أن يراش. أجال: أدار وأجال السهام بين القوم حرّكها وافضى بها في القسمة .
(30) الحل والارتحال: الإقامة والسفر.