محمد البكر .

فلا تَبعدْ " محمَّدٌ " المُزَكّى
دعاءَ مُحاوِلٍ ما يَستحيلُ

ذكرتُكَ فاستجدَّتْ شاخِصاتٌ
كأن غيابَها عندي مُثُولُ

خِصالٌ كلُّها شرفٌ رفيعٌ
ونفسٌ كلُّها خُلقٌ نبيلُ

وطبعٌ صِيغَ من أدبٍ ولُطفٍ
كعطرِ الزَّهرِ فوَاحٌ خجولُ

ورُحتُ أعيشُ غصَّةَ ذكرياتٍ
سجالٍ ما تُشيحُ، وما تُنيلُ

أعقّب ما تغيَّبَ من رؤاها
كما يتعقّب القِدحَ المجيل

أُسَرُّ على تَمثُّلِهنَّ أني
وُجِدتُ على هُدَى فيما أقولُ

ويُؤلمني بهنَّ مزيدُ عِلمٍ
وقد يُتَحَسَّدُ الرجلُ الجهولُ

فهنَّ بأمسِ في عيني سِراجٌ
وهنَّ اليومَ في كبدي نصولُ

أقولُ أصونُهنَّ من التشكِّي
فيأبى ذلك البرَحُ الدَّخيلُ

فلا وَأبيكَ ما نَهنهتُ نفسي
على أيٍّ وأيَّتما تَميلُ

تركتُ القلب يَعصِره التياعٌ
فيمضي رسلَهُ جَفنٌ بَليلُ

وعالجتُ الأسى بأسىً جديدٍ
على أنَّ الطبيبَ هو العليلُ

وقد يُوقَى بفرط الوجدِ وَجدٌ
وقد يشفى بحرقتهِ الغليلُ

وكم همٍّ به انفرجتْ همومٌ
وقد عُمّين وارتمت السدول

وتلتئم الفُروع على التأسي
بما مدّت وشائجَها الأصول

وقفت على القُبور وليس فيها
حبيبٌ لي ولا صَحبٌ حُلول

فقلت مسلماً ودمي دموع:
بُيوتُ أحبّةٍ هذي الطُّلول

* * *

أبثُّكَ يا " ابنَ أحمدَ " هدهداتٍ
بهنَّ يُسامِرُ الخِلَّ الخليلُ

أتعلمُ أنَّ طيفَكَ لا يحولُ
يَحومُ فيزحفُ الرَّبْعُ المُحيلُ (4)

بأشباحٍ تُحالُ بناتِ يومٍ
ويعدلُ ساعةً منهنَّ جيلُ

وأخيلةٍ يُراعُ بها خَليٌّ
وهنَّ لواجِدٍ نِعْمَ المخيلُ


(4) المحيل: المقفر.