أسيدتي نجاح .

أسيدتي نجاح …
* بدأ الشاعر نظمها في دمشق وأكملها في بغداد.
* ألقى قسما منها في الحفلة التكريمية التي أقامتها له في دمشق الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة والإرشاد القومي، أثناء زيارته سوريا في شهر كانون الأول 1978.
* نشرت في ملحق جريدة "الجمهورية" العدد 3516 السبت 24 شباط 1979 بعنوان: نسيم صبا دمشق.

دلفتُ إليكِ يفضحُني لُغُوبي
ويسخرُ من شبابيَ والمشيبِ (1)

يجررُ بالذُّبالةِ من سِراجي
ويخنُق ما عهدتِ من اللهيب

وعُجتُ عليكِ فاكهةً ونبعاً
وما أنا بالأكول وبالشّروب

وبي من فَرْط حُبِّكِ ما يُعنِّي
دمشقُ تحضَّنيني وآرفقي بي

وإني، والغرابةُ فيَّ طبعٌ،
وَلوعٌ بالغريب وبالعجيب

أُزاد إذا طربتُ إليكِ حزناً
وبعضُ الحزن من شيم الطَّروب

يُرقص دمعه وعد حقيق
فيعطفُه إلى وعدٍ حريب (2)

ويُحي الليل يرقُب منه صبحاً
وليس له سوى فجرٍ كذوب

ولم أر في الضرائب مثلَ ضدٍ
إلى ضدٍ نقيضٍ من ضريب (3)

* * *

أسيتُ على الرؤى مترنحاتٍ
حططن عليّ في قفرٍ جديب

ومرتجَعِ الصدى من ذكريات
كخفق البرق في دَجْن ضبيب (4)

يظَلُّ المرءُ مهما أخطأته
يدُ الأيام طوعَ يد المُصيب

كأن العمرَ ينضح من إناءٍ
بعيد الغور شفافِ الثُّقوب

وما أحلى الحياةَ لو استراحت
ملاعبها من الزَّور الغريب (5)

من الهُلْكِ الذي لا ريبَ فيه
وهان الشرُّ في هُلك مُريب

وما أشهى حضورَ الشمسِ نابت
نجومُ الليل عنها في المغيب

وما أشقى الغزالةَ ليس تألو
تخافُ الدهر من وثبات ذيب

* * *

أحبتيَّ الذين بهم تُسَرّى
همومُ النفس في البَرَحِ العصيب

سلامُ الله ما خفقت غُصون
مرفرفةً على المرْجِ الخصيب

وما جرّت على الذكوات منها
ذيول صبا معطرة الجيوب (6)

وما انتفض الحمامُ بها فغنّى
عشيةَ ديمةٍ سمحٍ سَكوب

على نخْب النَّدامى من هتوف
بِحُلو الذكريات ومن مجيب

ومن مترفقين كما تهادت
على نبْضِ العليل يدُ الطبيب

أشعتُمْ فيّ روحاً من جديد
وفرّجتم عن الوجه الكئيب

وعُدتُ بكم وقد بردت شذاتي
إلى جَذوات خافقيَ الشَّبوب (7)

ونُؤْتُ بشكركم وقد استغلت
بِغلّ يد المُثاب يدُ المُثيب


(1) اللغوب: التعب والإعياء.
(2) حريب: مسلوب غير حقيقي.
(3) ضريب: مماثل.
(4) الدجن: الظلام.
(5) الزور: الزوّار.
(6) الذكوات: المرتفعات.
(7) الشذاة: الجمرة.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء السابع-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-دار الحرية للطباعة -بغداد 1980م