دمشق جبهة المجد .

يا حاضِنَ الفِكْرِ خَلاّقاً كأنَّ بِهِ
مِن نَسْجِ زَهْرِ الرُّبى مَوشِيَّةً أَنَقا

لكَ القَوافي، وما وَشَّتْ مَطارِفُها
تُهْدى، وما اسْتَنَّ مُهْدِيها، وما اعْتَلَقا (29)

مِنَ "العِراقِ" مِنَ الأرضِ التي ائْتَلَفَتْ
و"الشَّامِ" ألْفاً فما مَلاَّ و لا افْتَرَقا

يا "جَبْهَةَ المَجْدِ" أَلْقَتْ كَرْبةٌ ظُلَلاً
مِنَ الشُّحوبِ عليها زِدْنَها أَلَقا (30)

مَرَّتْ يَدٌ بَرَّةٌ فوقَ العُروقِ بها
تُميطُ عنها الأسى، والجُهْدَ، والعَرَقا (31)

كَمِثْلِ أَرْضِكِ تَمْتَدُّ السَّماءُ بها
مَهْمومَةً تَرْقُبُ الفَجْرَ الذي انْطَلَقا

أَسْيانَةً كَم تَلَقَّتْ بينَ أَذْرُعِها
نَجْماً هَوى إثْرَ نَجْمٍِ صاعِدٍ خَفَقا (32)

مَصارِعٌ تَسْتَقي الفادينَ تُرْبَتَها
في كلِّ شَهْرٍ مَشى "فادٍ" بها وسَقى

يا بِنْتَ أُمِّ البَلايا عانَقَتْ نَسَباً
أَغْلى وأَكْرَمَ في الأَنْسابِ مُعْتَنَقا

راحَتْ تُمَزِّقُ كُلّ الهازِئينَ بها
وحَوْلَكِ اسَّاقَطَتْ مَهْزوزَةً مِزَقا (33)

كُنْتِ الكفُوءَ لها إذ كنتِ مُعْتَرَكاً
لِسوحِها، فِرَقاً جَرَّارَةً فِرَقا (34)

"تَيْمورُ" خَفَّ و"هُولاكو" وقد سَحَقا
كلَّ الدُّنى وعلى أَسْوارِكِ انْسَحَقا

ما كنتِ أَعْتى، ولا أَقْوى سِوى دُفَعٍ
مِنَ الرُّجولاتِ، كانتْ عندها لُعقا

هنا جِوارَكِ ذو زَمْزَامَةٍ لَجِبٌ
أمْسِ اسْتَشاطَ فصَبَّتْ نارُهُ صَعَقا (35)

على اليَهودِ، وعادَ اليومَ مِن خَوَرٍ
يَمُدُّ طَوْعاً إلى جَزَّارِهِ العُنُقا (36)

حُبُّ الحَياةِ تَغْشاهُ فَكانَ لَهُ
صَدَاقُها الذُلَّ، والإسْفافَ، والخَرَقا (37)

تَخالَفَ الحُكْمُ فَرْداً لا ضَميرَ لهُ
إذا اسْتَدارَ، ولا ناهٍ إذا مَرَقا

ومُجْمِعينَ تَواصَوا بَينَهُمْ شَرَعاً
على الحفَاظِ، وساوَوْا أمرَهُم طَبَقا

* * *

دِمَشْقُ كم في حَنايا الصَّدْرِ مِن غُصَصٍ
لو لَم نَدُفْها بِمُرِّ الصَّبْرِ لاخْتَنَقا (38)

صُبَّتْ "ثَلاثونَ" لم تَدْرِ الصَّباحَ بها
سودُ اللَّيالي، ولم تَكْشِفْ بها أُفُقا

هُنَّا عليها فَشَدَّتْنا بِسِلْسِلَةٍ
مِنَ الكَوارِثِ لم تَسْتَكْمِلِ الحَلَقا

جاعَتْ لِقَحْطِ "مُفاداةٍ" بها وَعَدَتْ
واسْتَنْجَدَتْ صاعَها والمِئْزَرَ الخَلَقا (39)

ونحنُ نُطْعِمُها حُلْوَ البَيانِ رُؤىً
والفَخْرَ مُتَّشِحاً، والوَعْدَ مُرْتَزَقا

شَمَمْتُ تُرْبَكِ لا زُلْفى ولا مَلَقا
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا خِبّاً، ولا مَذِقا


(29) المطاريف : مفردها مطرف وهو الرداء من الحز الموشى . اعتلق : العلق هو النفيس من كل شيء ، يريد ما رأه نفيساً .
(30) ظللاً : مفردها ظلة بضم الظاء وهي السحابة . ألقاً : يريد تزيد ضياءً ولمعاناً .
(31) تميط : تزيح وتبعد.
(32) خفق النجم : غاب في الأفق . أسيانة : حزينة .
(33) مزقاً : القطع من الشيء الممزوق .
(34) السوح : مفردها مساحة.
(35) اللجب : الجيش الكثيف . ذو زمزامة : أي له أصوات تشبه الرعد. الصعق : يريد ما يصعق.
(36) الخور : الضعف والإستكانة .
(37) الخرق : الحمق والجهل والدهش من خوف .
(38) ندفها : نمزجها ونخلطها.
(39) الخلق : البالي.