الخطوب والخلافة.

الخطوب والخلافة.
* نظمها الشاعر غداة حرب حزيران عام 1967.
* نشرت في صحف عربية كثيرة.

دعِ الطوارقَ كالأتّون تحتدِمُ
وخلِّها كحبيكِ النَسجِ تلتَحمُ (1)

وخذ مكانك منها غيرَ مكترث
دَهْدَى بك الموجُ أو علَّتْ بك القِمَم

كَفاكَ والخطب فخراً أن تصارعَه
إنَّ المُصارعَ أنّى صار مُحترَم

ومثلَ بَلواك في غُمّى تَدافُعِها
تكون عُقباكَ إذ تستكشف الغُمم (2)

تَعَسَّرَ الصبحُ واستعصت وِلادتُه
حتى تشابكتْ الأنوارُ والظُلَم

تبارَكَ الخَطبُ تبلُوه وتَحصِدُه
إنّ الخُطوبَ إذا ما استُثمِرَت نِعَم

عودُ الرجال بكفِّ الخطب يَعجِمهُ
كالمَندل الرَطب يذكو حين يضطرم (3)

خُضِ الكوارثَ لا نِكساً ولا جَزِعاً
واترُكْ إلى الغيب ما يجري به القلم (4)

لو كانَ يُضمَنُ نصرٌ قبل مَوعِده
لكان أرخصَ ما في الأنفُسِ الهِمَم

إني وجدتُ الليالي في تَصرُّفها
تأوي إلى حَكَمٍ عَدْلٍ .. وتحتَكِم

تُدسُّ في الشرِّ خيراً يُستضاءُ به
وتنزِع الخيرَ من شرٍّ ويلتئِم

إنَّ الشدائد تُستصفى النفوسُ بها
مثلُ الحظوظ على أصحابها قِسَم

يُلقين ظِلاًّ على وجهٍ فيلتطمُ
ويزدَحِمْن على وجهٍ ويبتسِم

يا جمرةَ الخطبِ ساقِينا على ظمأٍ
للمُصليات فانتِ الباردُ الشبِمُ (5)

* * *

قالوا أنت أزمةٌ جُلَّى فقلتُ لهم
أهلاً وسهلاً فنِعمَ الطارقُ الأزَم (6)

يا جارتا: من يَضِقْ ذَرْعاً بمنزلةٍ
فليس منّا وإنْ مَتَّتْ به رحِم

سلي بنا الأزَماتِ السُودَ كم غَنِيَتْ
إذ كان عند سوانا الفقرُ والعَدَمُ

ما شئتِ فامتحِني نزدَدْ نَدىً وقِرىً
هل كان إلا ليوم المحنةِ الكَرَم (7)

يا جارتا: أنت سرٌّ في ضمائرنا
وأنت بين العُروقِ الثائراتِ دم

عِشنا وإياكِ أحقاباً مناوبةً
نَنسَلُّ منك على رِفقٍ وننسَجِم

حِلِّي بنا تَجِدي من أزمةٍ قِدَماً
عَفَّى على رسمِها من أزمةٍ قِدَم

* * *

ويا " أبا خالدٍ " إنْ يلتهِبْ بفمي
قولٌ، فأنّي لكل الثائرين فَم (8)

يا ناصر الأمةِ الكُبرى وحاضنَها
لا العُجْب يملأُ بردَيه، ولا البَرَم (9)

ويا شريكاً بما يُزهى الشريك به
يَلُمُّ نُعمَى على بُؤسَى ويقتَسِم

ويا فتاها، ويا حامي فُتُوَّتِها
لا نالَ منك ولا من مجدِها الهَرَم

ناشدْتُك العُروةَ الوُثْقَى بما انتفَضَتْ
به الشُعوبُ، وما رصينتْ به الأمم

أنقِذْ فلسطينَ مردوداً بها حَرَمُ
على ذَويه، ومركوزاً بها عَلَم

ولَبِّ في جَنبَات القُدسِ صارخةً
مَن قبلُ أدركها في الروم مُعْتَصِم

وطهِّرِ البيتَ من رِجسٍ يُلوِّثُه
ولن يُطهِّرَه إلا دمٌ .. ودم

ولن يُطهِّرَه إلا مُخايرةً
أن يُعبَدَ اللهُ، أو أن يُعبَدَ الصَنَم

رَبٌّ " لصهيونِ " عجْلِ صيغَ من ذهبٍ
وربُّ " موسى " كألواحٍ له رِمَم

* * *

يا مُنتِجَ الضرَبات البِكرِ يُنْزلُها
على دهاقنةٍ عن مثلها عَقِموا (10)

أكلَّ يومٍ جديدٌ أنتَ مُبدعُه
حتى كأنْ ليسَ في قاموسِك القِدَم

جَمَّعْتَ تسعينَ مليوناً كما جَمَعَتْ
لُبْدَ الليوثِ على أشبالها أجَمَ (11)

وصغْتَ من أنْهُرٍ شَتَّى وأخلِجةٍ
بحراً بمصطخِبِ الأمواج يلتَطم

وصُنت بالقوَّة الحقَّ الذي دَلفَت
تسعون عاماً عليه وهو يُهتَضَم

وذاك أن الحديدَ الضخْمَ قارعةٌ
في مَسمَع الدهرِ عما غيرِها صَمَم

أدر حِبالةَ رأيٍ أنت فاتِلُها
على الحظيرة تُجمع أمرَها غَنم (12)

وذوِّبِ الشحمَ من كَبشِ الفِداء لها
ومدَّعي النَطحِ عَنها يَظهرِ الوَرَم

يُريدُ صَدَّ الحُتوفِ الحائقات بهم
وإن يكن ثَمَّ من حَتْفٍ له فهُمُ

وَحْشٌ تَنَمَّر إذ طالت أظافرهُ
واليومَ يشخَصُ مَشحوذاً لها الجَلَم (13)

مُحَمَّقٌ، وبأوْج الفِطنة الأُمَمُ
وشائخٌ، وشَباب حولَه نُظُم (14)

أجهِزْ عليه يُعِنْكَ الشرق ينتقِم
والغربُ يَرزَحُ، والأهواءُ ترتطِم

واستَنْفِر اللعناتِ العاصفاتِ به
فانهُنَّ جيوشٌ ليسَ تنهزِم

هناكَ في المشرِقِ الأقصى له عُنُقٌ
تكاد بالقَبَضاتِ الصُفرِ تُختَرَم (15)

وفي يد المشرِق الأدنى له ذَنَبٌ
يُلوَى، وفي غَدِه المحتوم يُصطلَم

وبين هذين أوساطٌ مُرجِّفةٌ
كما تُرجِّف خوفَ الغارة اللجُمُ (16)


(1) الأتون: أخدود الجيار وهو الذي يحرق الجير.
(2) الغمى: الشدة.
(3) المندل: عود طيب الرائحة.
(4) النكس: الضعيف.
(5) الشبم: البارد.
(6) الأزم: جمع أزمة وهي الشدة.
(7) الندى: الجود والكرم. والقرى: إكرام الضيف.
(8) أبو خالد: جمال عبد الناصر.
(9) العجب: بالضم الزهو والكِبر.
(10) عقم كفَرح ونَصَر وكرُمَ وعُني.
(11) الأجَم: جمع أجمة وهي مجتمع الشجر.
(12) الحبالة: المصيدة.
(13) الجلم: المقص الذي يجز الصوف وما أشبه ذلك.
(14) محمّق: أحمق.
(15) تخترم: تقتل وتهلك.
(16) مرجفة: كاذبة ومحتالة.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م