يا أبا ناظم.

يا أبا ناظم …
* نظمت أوائل عام 1965 يحيي بها الشاعر محمد صالح بحر العلوم وهو رهن السجن في "نقرة السلمان".
* ألقيت في الحفل الذي أقيم في براغ يوم 27 كانون الثاني 1965 بمناسبة ذكرى وثبة كانون 1948.
* نشرت في "بريد الغربة"

يا أبا ناظمٍ وسجنُكَ سَجني
وأنا منكَ مثلما أنت منِّي

وأنا منكَ في المودَّة حيثُ المرءُ
سِيانِ علمُه والتظنِّي

أنا عرقٌ في جسمك النابِضِ الحيِّ
ولمحٌ من عِلقك المُستَضنّ (1)

يابن صِيدِ الرجالِ كلِّ مُضحٍّ
بشبابٍ كالروض لَفٍّ أغنّ (2)

سنَّنوا شِرعَة التذوُّبِ في النا
سِ وماتوا على مِحكّ المِسن

يابن صِيدِ الرجالِ دربُك دربُ
الصيدِ مُستوحَشُ الثنيَّات مضني

مِن بقايا دمِ الضحايا عليه
أَلَقُ النجمِ في ظلامٍ دُجُنّ (3)

كمصبّ التيَّار يدفع فيه
الموجُ موجاً ويسحقُ المتأنّي

سِرته لا تخافُ إذ كلُّ شِبرٍ
فيه من وحشةٍ يخيف ويُثني (4)

* * *

يا ربيبَ السُّجونِ لا المتبنَّى
عقّ مَنْ ربَّه، والمُتَبَنِّي (5)

يا لطيفاً إذ يستقي، وكريماً
إذ يُساقي، ومبدِعا إذ يُغني

يا سخيَّاً بالعمرِ يعرف أنَّ
المجدَ كالدهرِ لا يُحدّ بسِنّ

يا مُذيبَ الستينَ أيَّ الليالي
عُدت تُبقي، وأيَّها رُحت تفنى

أيَّ كنزٍ غال، وأيَّ عطاء
كسنا الشمسِ لم يُكدَّر بمنّ

يابنَ جِلدٍ ضاوٍ، وعَظمٍ خويٍّ
كشبا السيفِ في رثَاثاتِ جَفن (6)

يفخرُ الفخرُ أنَّ مُضغةَ لحمٍ..
غلّفت قلبَ واثقٍ مُطمئن

يا قريعَ البلوى تُطابقُ والغمرةَ
منها انطباقَ سِنٍّ وسنّ

يزرع الخير في النّفوس فيُجنى
ويُجازى بالشر عنه فيجني

يا أبا ناظمٍ وشوطُ الرجولا
تِ سباقٌ فباديء ومُثنّي

ورَّثتك الآباءُ ما وُرِثَتهُ
عن جدودٍ . إرثَ الفروع لِغُصْنَ

خوضَ بؤسى شُنَّتْ لنُصرةِ حقٍّ
وارتقاباً لمبئّسٍ لم يُثن

واصطباراً على جحيمِ الرزايا
والتذاذاً منها بجنَّةِ عَدن

وحياةً دونَ الكفافِ غَناءُ
النفسِ فيها رغيبةُ المتمني

هوذا المجدُ خالداً لا الدعاوى
بنتُ يومٍ عجلانَ يفنَى ويفني

* * *

يابنَ واعينَ إذ وعاةٌ قليلٌ
فصحاءٍ يومَ التخارُسِ لُسْن

طلعوا في دُجُنَّةٍ نورَ فجرٍ
وهَمَوا في جَديبةٍ صوبَ مُزن (7)

يابنَ صِيدِ الرجالِ دربُك لا در
بُ الخَؤورينَ من كلالٍ ووهن (8)

يحملونَ الأثقال كُرها تَلَوّى
أعرجٍ في دجىً يسيرُ بحَزن (9)

يابن صِيدِ الرجال بوركتَ من عُو
دٍ أبيٍّ على المَغامزِ خَشن

تُغرم العاصفاتُ بالشجرِ الصلبِ
وتُغضي على أماليدَ لُدن (10)

دِيّةُ الوادعينَ جثبناً وذلاً
ما تقاسيه من عذاب وسَجن

يولد الضرُّ حيث يولد حرٌّ
وعلى أنوكٍ مظلةُ أمن (11)

لن يضيعَ الحسابُ ما بين قبحٍ
وجَمالٍ وبين حمدٍ ولَعن

تُرْصَد الشُّهبُ والرجوم ويُحصَى
نسبُ الخيلِ من جِيادٍ وهُجْن (12)


(1) العلق: النفيس من كل شيء، المستضن: من ضن بالشيء أي حرص عليه لنفاسته.
(2) روض لف: شجره ملتف أي كثيف.
(3) دجن: شديد الظلام، حالك.
(4) سرته: أي سرت فيه يريد قطعته.
(5) ربّه: رباه.
(6) رثاثات: جمع رثاثة وهي الشيء، الخلق، الجفن: هنا بيت السيف.
(7) هموا: هطلوا، الصوب: المطر.
(8) الخؤورون: جمع خؤور أي الخائر القوى.
(9) الحزن: ما صعب من الأرض.
(10) الأماليد: جمع أملود وهو الغصن الطري.
(11) الأنوك: الأحمق.
(12) هجن: جمع هجينة وهي غير الأصيلة.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م