الخطوب والخلافة.

ذئبَ الحضارة ماذا أنت مُحتَقِبٌ
في يومِ تُمتحصُ الأوزارُ والتُهَم

أكلُّ عارٍ يَعافُ الكلبُ جيفتَه
تُلفي به ما يَلَذُّ الجائعُ النَهِمُ

أقوى من الموت في " صاروخِكَ " الرُجُم
للصارخينَ، ومن " أسطولِك " الحِمَم

" تيمور " قبلَك في " بغداد " كانَ له
من الجَماجِمِ في أسوارِها هَرَم

هبْكَ التبيعَ له فيما اصطَلى وجَنَى
فهل سِوى أن يواري رِجْسَكَ العَدَم

* * *

حِلفاً " جمالُ " بقولٍ رُحتَ فاعلَه
وقد يَبَرُّ بفعلِ المُقسِمِ القَسَم

لو شئتُ صُغت شُواَظ النار قافيةً
تأتي على كُلِّ ما تَلقَى وتلتَهِم (17)

لكن وجدتُكَ كالفُولاذ ضرَّمَه
طبعٌ، فلا يتمشَّى فوقَه ضَرَمُ

فسَّرْتُ نهجَكَ تَطغَى عندي الكَلِمُ
فأدَريها فيُثنَى سلُها العرم (18)

نَهْنَهْتُها عن دَمٍ تُسقاه فالتَظَمَتْ
كالطفل عن صَدر أمٍّ حينَ يُفتَطَم (19)

* * *

ويا " دمشقُ " سَلامٌ كلَّما سَجَعَتْ
في " الغوطتين "  هَتوفٌ شَفَّها نَغَمُ

مُنِّي على الرَبَوات الخُضر باكرَها
سِقطُ النّدَى فحواشِي نَبتِها عَمَم (20)

على السُفوحِ على الوِديانِ ناعسة
مَشَى بها من طُيوفٍ جَمّةٍ حُلُم

على المصابيح من " غسّانَ " أخلَصَها
إلى العُروبةِ ما نقَّت لها الشِيَم

أوفى النفوس مروءاتٍ فان جُرِحوا
ففي الأُنوف على ذي غِرّةٍ شَمَم (21)

يا جَبْهةَ المجدِ، يا قلباً ، ويا رئةً
في صَدر كلِّ عَريبٍ، ما به سَقَمُ

لا تَبْرَحنَّ خيولُ الله زاحفةً
على عدوِّك تَغشاه وينهَزِم

ولا تَزَلْ أريحيّاتٌ مُنَشَّرة
يهُبُّ منها بيَومٍ عابسٍ نَسَم

ولا عَدَتْكَ اليدانِ الثَّرتان ندىً
ومَنْعةً، نهجُكَ الوَضّاح والدِيَم

لابدَّ يومُك آتٍ يَومَ تُردِفُه
في عالَمٍ غيرِ هذا العالَمِ القِيمُ

في يوم ما ثَمَّ موتورٌ فينتَقِم
في يوم تَندثِرُ الأحقادُ والنِقَم

في يوم تُوزنُ أقدارٌ لقيمتِها
لا الصُلبُ يُلغَى ولا السَفْسافُ يُغتنم

لابدَّ يومُكَ آتٍ عن غدٍ خَضِلٍ
وإن موعدَ يومٍ من غدٍ أمَم (22)

* * *

وأنت يابنَ " زُعَينٍ " أيُّها العَلَمُ
يا مَن تَحَضَنَّك " النيلانِ " والهَرَم

إني لأُطرِيكَ عن عِلْمٍ، وعن ثِقةٍ
ولستُ ممن تُمارِي عنده الكَلِم

سِرْ في نِضالكَ لازلَّتْ بكَ القَدم
ولنْ تزِلَّ وبالإيمان تَعتَصِم

صُنِ " الثُغورَ " فما انفكَّت أسِنَّتُها
من قبل ألفٍ بقلبِ " الشام " تَلْتَدم (23)

وذُدْ عن الحقِّ إنَّ الحقَّ مَنطِقُه
حِمىً يَفيءُ إليه العُرْبُ والعَجَم (24)

بئسَ الدمُ المُرُّ حُكماً غير أنَّ دماً
يَسعَى إليك هو المحكومُ والحَكَم

مَشَوا بباطِلِهم يَبغونَ مَصْرَعَهم
فان سَلِمتَ على حَقٍّ فلا سَلِموا

لك " النُسورُ " فأطْلِقْها على شَرَفٍ
وخلِّ تنحدرُ العِقبانُ والرَخَم

وقُلْ مقالةَ صِدقٍ غيرَ مُصْطَنِعٍ
وطالما صانَعَ الجُهّالَ من عَلِموا

في " يَثْرِبٍ " حَرَمٌ للهِ كعبتُه
وفي " دِمشقَ " لشَرْقٍ زاحِفٍ حَرَم


(17) شواظ بالضم والكسر: لهب النار ووقدها.
(18) أدّري: ادفع.
(19) نهنه: كفَّ.
(20) العمم: النبت الكثيف.
(21) الشمم: الإباء.
(22) خضل: ندٍ . أمم: قريب.
(23) تلتدم: تضطرب، يريد بها هنا تهتز.
(24) يفيء: يأوي.