لبنان يا خمري وطيبي.

لبنان يا خمري وطيبي ..
* ألقيت في المهرجان الذي أقامه أدباء لبنان وشعراؤه في بيروت تكريماً لشاعر لبنان بشارة الخوري (الأخطل الصغير) وشارك فيه جمع من الشعراء العرب وأدبائهم وكان ذلك صيف عام 1961.
* نشرت في "بريد الغربة" .

"لبنانُ" يا خمري وطيبي
هلاّ لَممتِ حُطامَ كوبي

هلاّ رَدَدْتِ لسُهدِها
عيني، وقلبي للوجيب (1)

هلاّ عطفتِ ليَ الصِّبا
نشوانَ يرفُلُ بالذُّنوب

نزَقُ الشبابِ عبدته
وبَرِئتُ من حِلْمِ المشيب

* * *

لبنانُ ما ذنبي إذا
رقَّعتُ شيْبي بالنسيب

الأخضرُ الريّانُ بين
جوانحي عِرمُ الشُبوب (2)

يا من يقايضُني صدى
الهمساتِ والسَمَرِ المُريب

وترصُدُ القمار كابن
أبي ربيعةَ في المغيب (3)

والكاعبَ الحسناءَ
تستُرني بمِفْضَلِها القشيب (4)

وتنابزَ القبلاتِ في
نجوى كمستَرَقِ الدبيب

ويداً تخبّطُ في الهوى
ويداً تُعابثُ في الجُيوب (5)

يا من يُقايضني ربيعَ
العُمرِ ذا المَرْجِ العشيب

بالعبقريّة كلِّها
بخُرافة الذهنِ الخصيب

بعُصارة الستينَ تر
زح بالأديب وبالأريب

شيطانَ " غوته " يا ربيب
الغدرِ والدمِ والحروب (6)

ومُقايضَ السبعينَ
بالعشرينَ عن ثمنٍ رهيب

لو جئتَني لوجدتني
مَحضَ السميعِ المستجيب

* * *

أيهٍ بشارةُ والليا
لي مثقلاتٌ بالعجيب

متدافعاتٌ بالفُجا
ءة لايَنينَ من اللُّغوب (7)

والدهرُ في صَعَدٍ وما
عزَّ الطلاب على طَلوب (8)

"والزُهرةُ" الشقراء طو
عُ يديْ "ككارينَ" الرهيب

"الأخطلُ" الجبَّارُ جا
ء "الكوفتينِ" على نجيب (9)

وأبو العلاء على بنا
تِ الماءِ تُحدَى بالجَنوب (10)

وذعرتَ صحراءَ العرا
قِ بموكبِ النارِ المَهيب (11)

بالآلةِ الخرساء تستوري
على وهج اللهيب

وأتيتُ "لبناناً" بجا
نحتين من ريحٍ غَضوب (12)

مثلَ المسيح إلى السما
ء وقد حُمِلتُ على صليب

كأسي تُصفَّق بالغما
مِ بكفِّ غيداء لَعوب (13)

ويدي على جَرَس تشدّ
ومقلتي لفم المجيب

وتحفزَّ النهدانِ في
أفقٍ من الصدر الرحيب

سَخِرت عصافيرُ السما
ء بخائفين من الوثوب (14)

بمزَعزعينَ توجُساً
ومحزّمينَ على الجيوب (15)

واستصغرت زمرَ الجنادب
في فُويهات الثقوب


(1) الوجيب: الاضطراب.
(2) عرم: شديد، والبيت كناية عن القلب.
(3) في البيت وما بعده إشارة إلى رائية عمر بن أبي ربيعة الشهيرة:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكرُ = غداة غد أم رائح فمهجر
(4) المفضل: الثوب الواسع.
(5) الجيوب: جمع جيب وهو فتحة الثوب من جهة الصدر.
(6) إشارة إلى ” فاوست ” قصة الأديب الألماني غوته.
(7) اللغوب: التعب والإعياء.
(8) صعد: شدة، عذاب صعد: عذاب شديد.
(9) الأخطل: الشاعر الأموي، النجيب: من الإبل.
(10) بنات الماء: السفن، الجنوب: الريح.
(11) يشير إلى مجيء بشارة الخوري إلى العراق بالسيارة.
(12) الجانحة: واحدة الأضلاع وقد استعملها للجناح توسعاً. ويشير بالبيت وصوله لبنان بالطائرة.
(13) تصفق: تمزج، الغيداء: المضيفة.
(14) الخائفون: هم الركاب المسافرون بالطائرة.
(15) الجيوب: هنا الوسط.

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الخامس-الجمهورية العراقية-وزارة الاعلام-مطبعة الأديب البغدادية -بغداد 1975م