المقصورة .

ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ
بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا (1)

فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ
يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا

ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ
بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى (2)

على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ
لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى

تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ
فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى (3)

فما هي أوّلُ مجذومةٍ
مخافةَ عدوى بها تُنتفى (4)

ولا هي أوّلُ "أغلوطةٍ"
محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى

وما بالنفوسِ اللواتي
ملكنَ بأطماحهنَّ عَنانَ السّما

عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ
ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى

إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ،
صغارَ الحلومِ ، صغارَ الهوى

يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم
به عن هوانهمُ : يُشتفى

*  *  *

أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ
فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى

زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ
وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى (5)

وأشباحُ ناسٍ ، وإنْ أُوهِمُوا
بأنّهمُ .. "قادةٌ" في الورى

ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ
سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما (6)

وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ
كثيرَ الصيالِ ، شديدَ القوى (7)

من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ
يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟! (8)

بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ
وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟!

أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ
ونفحُ الرمالِ ، وبذْخُ العرا!!

بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ
وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى

إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء
جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى

وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ
وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى (9)

فوارقُ لا يَمَّحي عارُها
ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ "سوى !"

بحيثُ يقالُ إذا ما مشى
الصّليُّ بها : إنّ وغداً بدا (10)

وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ
بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا


(1) الجلف : الرجل الحقير الجافي الطباع ، الرنيم : الملحق بالقوم وليس منهم .
(2) السادر : اللاهي العابث ، الذي يعيش بلا هدف .
(3) جذم الشجرة : جذرها .
(4) نفوس مجذومة : فيها مرض الجذام .
(5) زقاق : جمع زق وهو الجراب .
(6) الذماء : بقية الروح .
(7) السبال : اللحي ، والواحدة سبلة .
(8) العير : الحمار ، الكواء : اسم من كوى يكوى كالشراء من شرى يشري ، يحبق : يظرط .
(9) الميسم : اسم آلة يوسم بها .
(10) الصلي : الموسوم بالميسم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *