الأوباش .

– في هذه القصيدة تصوير لإحدى الرويات القصصية للكاتب الشعبي الفرنسي "أميل زولا" .. وهي تدور حول إظهار الصفات الكريمة الأصيلة غير المصطنعة لدى الطبقات الدنيا من الجماهير .. التي يقال لها ظلماً "الرعاع" تارة و"الأوباش" تارة أخرى .
 – نشرت في جريدة "العراق" العدد 3392 في 29 آيار 1931 .

جُهِلنا ما يُراد بنا فقُلنا
نواميسٌ يُدبِّرها الخفاءُ

فلما أيقَضَتْنا من سُباتٍ
مكائدُ دبَّرتها الأقوياءُ

وليس هناكَ شكٌ في حياةٍ
تدوسُ العاجزين ولا مِراءُ

لجأنا للشرائعِ بالياتٍ
لتَحمِينا وقد عزَّ احتماء

فكانتْ قوَّةٌ أخرى وداءُ
رَجَونَا أن يكونَ به الدواءُ

حثيثٌ يسيرُهنَّ إلى ضعيفٍ
تلقَّفُه وعنْ أشِرٍ بِطاء

تسيرُ وشأنَها حتى إذا ما
تصدَّتْ قوَّةٌ فبها التواء

وقامَ السيفُ يُرهب دفَّتيها
تؤيِّدهُ ميولٌ وارتشاء

إذا لم تُرضهِ منها سطورٌ
تولَّتْ محوَ ما فيها الدِّماء

فيا إضحوحةَ السيفِ المُدَّمى
تفايضَ مِن جوانبكِ الغباء

* * *

أتُصلِحُ ما الطبايعُ أفسدتَه
قوانينٌ مفسَّخةٌ هُراء

وماذا غيَّرتْ نظمٌ وهذي
حياتُكَ جُلَّ ما فيها شقاء

وما عُدِم الهناءُ بها ولكنْ
تُنوزِعَ فيها فاحتُكِرالهناء

ولم تتفاوت الطبقاتُ إلاّ
لتنحصرَ الرَّفاهيةُ والنَّماء

وما اختلفت عصورٌ عن عصورٍ
نعم غطَّى على الصُوَرِالطِّلاء

فسوقُ الرِّقِّ لم يكسُد ولكن
تبدَّلَ فيه بيعٌ أو شِراء

وقد قامتْ على التشريعِ سوقٌ
بها احتشدتْ عبيدٌ أو إماء

ولكن تحت أغطيةٍ وماذا
ترى عينٌ لو انكشفَ الغِطاء

ترا أبداً رعايا أذكياءً
تسوسُهمُ رعاةٌ أغبياء

وأحراراً رجالاً أو نساءً
تُسخِّرهم رجالٌ أو نساءُ

فتفتقرُ المواهبُ والمزايا
وتندَحرُ العزيمةُ والفَتاء

وتخمُد جدوةٌ لولا تردِّي
نظاماتٍ لألهبها الرَّجاء

يُزهِّد في المحامدِ طالبيها
يقينٌ أنَّ عُقباها هباء

فقد تأتي الفضيعَ ولا عِقابٌ
وقد تُسدي الجميلَ ولا جزاء

وتتَّفقُ المجاعةُ والمزايا
وتلتئِم المحاسنُ والعراء

وفي التاريخِ أعتابٌ كثارٌ
مضتْ هدَراً وطار بها الهواء

وأعمالٌ مشرِّفةٌ ذويها
تولاَّها فضيَّعها الخفاء

وأخرى جرَّ مغنمها دنيٌّ
فسرَّته ؛ وصاحبُها يُساء


(1) التظني : التظنن .

المصدر : ديوان الجواهري-الجزء الثاني-وزارة الاعلام العراقية/مديرية الثقافة العامة-مطبعة الأديب البغدادية 1973م