أخي جعفر .

أخي "جعفراً" إنَّ عِلْمَ اليقينِ
أُنَبِّيكَ إنْ كُنْتَ تَسْتَعْلِمُ

صُرِعْتَ فحامَتْ عليكَ القلوبُ
وخَفَّ لكَ الملأُ الأعظمُ

وسُدَّ الرُّواقُ فلا مَخْرجٌ
وضاقَ الطريقُ فلا مخْرمُ (1)

وأَبْلَغَ عنكَ الجنوبُ الشَّمالَ
وعَزَّى بكَ المُعْرِقَ المٌشْئِمُ (2)

وشَقَّ على "الهاتفِ" الهاتفونَ
وضَجَّ من الأسْطُرِ المِرْقَمُ (3)

تعلَّمْتَ كيفَ تموتُ الرجالُ
وكيف يُقَامُ لهم مَأتَمُ

وكيفَ تَجُرُّ إليكَ الجموعُ
كما انْجَرَّ للحَرَمِ المُحْرِمُ

* * *

ضَحِكْتُ وقد هَمْهَمَ السائلونَ
وشَقَّ على السَّمْعِ ما هَمْهَمُوا (4)

يقولونَ مُتَّ وعندَ الأُسَاةِ
غيرَ الذي زَعمُوا مَزْعَمُ

وأنتَ مُعَافىً كما نرتجي
وأنتَ عزيزٌ كما تَعْلَمُ

ضَحِكْتُ وقلتُ هنيئاً لهم
وما لَفَّقُوا عنكَ أو رَجَّمُوا

فَهُمْ يبتغونَ دَمَاً يشتفي
به الأرْمَدُ والأجْذَمُ (5)

دَمَاً يُكْذِبُ المخلصونَ الأُبَاةُ
بهِ المارقينَ وما قَسَّمُوا

وَهُمْ يبتغونَ دَمَاً تلتقي
عليهِ القلوبُ وتَسْتَلْئِمُ (6)

إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهُمْ
فيا لكَ من عارِمٍ يَغْنَمُ

فَهُمْ بكَ أولى فلمَّا نَزَلْ
كجَذْرٍ على عَدَدٍ يُقْسَمُ

وَهُمْ بكَ أولى وإِنْ رُوِّعَتْ
"عجوزٌ" على فِلْذَةٍ تَلْطِمُ

وتكفُرُ أنَّ السما لم تَعُدْ
تُغِيثُ حَرِيباً ولا تَرْحَمُ (7)

وأُخْتٌ تَشُقُّ عليكَ الجيوبَ
فيُغْرزُ في صدرِها مِعْصَمُ (8)

تُناشِدُ عنكَ بريقَ النجومِ
لَعَلَّكَ من بينها تَنْجُمُ (9)

وتَزْعَمُ أنَّكَ تأتي الصباحَ
وقد كَذَّبَ القبرُ ما تَزْعَمُ

لِيَشْمَخْ بفَقْدِكَ أَنْفُ البلادِ
وأنفي وأنْفُهُمُ مُرْغَمُ


(1) المخرم : طريق في الجبل يريد به أي طريق .
(2) المعرق والمشئم : يريد العراقي والشامي .
(3) المرقم : القلم .
(4) الهمهمة : الكلام الخفي .
(5) الأجذم : المجذوم المصاب بالجذام .
(6) تستلئم : يريد تتجمع .
(7) الحريب : يريد المحزون .
(8) الجيب : صدر الثوب .
(9) تنجم : تطلع .