تَعاصَت على التاريخ حتى تَحيَّرَتْ
![]() به صفحاتٌ كيف يُملَى ليُكتَبا
![]() وحار الرُواةُ المخلصونَ فلم يكن
![]() ليصدُقَ فيه المرءُ إلا ليكذِبا
![]() أُطيحَ بها هامُ الطُغاةِ فكُوِّرَتْ
![]() على هام من هزَّ الطغاةَ وأرعَبا
![]() ودَقَّت بأجراس الخلاص فأطبقَتْ
![]() على من دعا يومَ الخلاصِ وقرَّبا
![]() وأُبدِلَ من عهدٍ رثيثٍ بآخَرٍ
![]() جديدٍ ولكن أشوهَ الوجهِ أحدبا
![]() وجاشت به الأضغان جُبناً، وغَدرةً
![]() ولؤماً، وإسفافاً، وعِرقاً ومذهبا
![]() وأبدَت جُلودٌ ناعماتٌ صميمَها
![]() فكنَّ " ضِباعاً " جائعاتٍ، و " أذؤبا "
![]() وضجّت " سجونٌ " من خليطٍ مُنافرٍ
![]() كما ضمّ " نُزلٌ " مُوحِشٌ من تغرَّبا
![]() تلاقت على بُهْمٍ وبَرٍّ وفاجرٍ
![]() كما خبطت عشواءُ ليلٍ لتحطِبا (2)
![]() ولاحت ل " تَموّز " رُؤى أمِّ واحِدٍ
![]() وقد أسلَمَتْه القابلاتُ ليُصلَبا
![]() وأغفَى عمٍ للطائشات تقودُه
![]() وجانبَ واعٍ قسطَه فتَهرَّبا
![]() و " صوَّف " من لم يعرف " الديرَ " عُمرَه
![]() وقد خذلته نُهزةٌ فترهّبا
![]() وقارع كأس الموت بالصبر صامِدٌ
![]() وأفرغَ من أسآرها ما ترسَّبا
![]() ونِمتُمْ على جَمر الغَضَا تَحضُنونَه
![]() ب " ساعةِ صِفرٍ " خوفَ أن تتسرَّبا
![]() وخاطَرْتُمُ: إنَّ المنيّةَ كالمُنى
![]() كفاءٌ بسُوحِ المجد أن تُتَطلبا
![]() ودوَّت فلا والله مارنَّ مثلُها
![]() على سامعٍ ممن حَبا أو تنصَّبا
![]() تلاقى عليها الخَلقُ لم يُبقِ مِطرفاً
![]() من البيتِ لم يَسحبْ ولم يُبق مَسحبا (3)
![]() وشعّت وقد عَيَّ اللسانُ، ضمائرٌ
![]() ترِفُّ على سُمْر الوجوه لتُعرِبا
![]() عَطَفْتُم به من بعد ما كادَ نَقمةٌ
![]() على خُدَع الأحلام أن يتَنكَّبا
![]() وفَجَّرْتُم منه الينابيعَ ثرَّةً
![]() من البذل لم يتركْ لها أمسِ مَسرَبا
![]() وأنعشتُمُ فيها رُؤى " الغدِ " بعدَما
![]() أطارت بما مَنَّتْه " عنقاءَ مُغرِبا " (4)
![]() وجئتُم ب " تمّوزٍ " جديدٍ مُسعِّرٍ
![]() يلوبُ على ما فات أسيانَ مُغَضبا
![]() فأسفر عن " عَشْرٍ " وِضاءٍ كما انجلى
![]() سنا الفجرِ عن ليلٍ تطاول غيهبا
![]() سنا الفجرِ إلا غيمةٌ ثم تنجلي
![]() وإلا رمادٌ ثم يُذرى به هَبا
![]() كشفتُم بها من وَجهه ما تقطَّبا
![]() وقوَّمتُمُ من جِذعه ما تخشَّبا
![]() وأبدَلْتُمُ تِلك المغارِمَ مَغنماً
![]() وصيّرتمُ تلك المخَاسِرَ مَكسَبا
![]() وأُفرغْتُمُ قلباً بقلبٍ فأخصَبا
![]() وطوَّعتُمُ شكساً وإلباً فأصحبا (5)
![]() وقُلتُم: عِما خيراً ل " زابٍ " و " دجلةٍ "
![]() وللنخلِ والزيتون: أهلاً ومرحبا
![]() وسرَّحتمُ الآلاَف صعَّدَ فوقها
![]() بلاءُ السجونِ المُطبقاتِ وصوَّبا
![]() وأشركْتُم في حُكم " حِزبٍ " محبَّبٍ
![]() أخي ثقةٍ " حِزباً " وثيقا مُحبَّبا
![]() |
(2) البُهم بالضم: جمع بهيم وهو المجهول الذي لا يعرف.
(3) المِطرَف والمُطرَف: واحد المطارف وهي أردية من خزٍّ مربعة لها أعلام.
(4) عنقاء مغرب: مما تخيله العرب من الطير الخرافي.
(5) الشكس: السيء الخلق. والألب من قولك: كان القوم إلباً عليه أي مجتمعين على عداوته.