هاشم الوترى .

ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ
فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا

كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي
فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا

هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ
مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا

هذا الغِراسُ – وملُْ عينِكَ قرّةٌ
أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا

هذا المَعينُ ، وقد أسلتَ نَميرَهُ
وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا

هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً
مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا

* * *

أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا
وسهِرْتَ ليلاً " نابِغيّاً " ناصبا

وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها
أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا

أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ
ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا

ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها
باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا

الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً
والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا

وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى
للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا

أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها
غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا

الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ
يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا

والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ
والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا

غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها
بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا (1)

وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً
للقادمينَ مواكباً فمواكبا

غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت
بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا

وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ
وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا

* * *

بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً
تلهو ، وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا

وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا
وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا

والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها
في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا

الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ
تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا

الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ
إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا

والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي
زاهي الشبابِ بها ، ويمسحُ شاربا !

والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ
جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا !

وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً
بيضٌ كواعبُ ، يندفعنَ عصائبا


(1) غرف الجنان : يراد بها غرف المستشفى ورحباتها التي ضمت الجرحى والصرعى من شهداء يوم الوثبة .