هاشم الوترى .

كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي
أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا

تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من
أقدارِهمْ ، وتثلُّ مجداً كاذباً

أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهم ُ
أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا

خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً
تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا

والأمثلونَ همُ السَّوادُ ، فديتُهمْ
بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا

بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ
ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا

أعلِمتَ "هاشمُ" أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ
هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟

أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً
أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا

وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى
عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا

أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً
في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا

للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً
للهاجراتِ ، لحُرّش وَجْهيَ ناصبا

أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي
كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا

أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً
ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا

ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي
بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا

ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً
عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا

لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه
ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا

آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً
إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا

وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ
وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا

وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ
أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا

ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ
رعيَ الظروف ! مُواكباً ومُجانبا

يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه
ويعودُ في اللِّيل ! التَّقيَّ الراهبا

وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ
وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا

عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ
منها ، ويخبِطُ في دُجاها حاطبا

حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها
عنه ، وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا

ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه
يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا

خطَّانِ ما افترقا ، فامَّا خطَّةٌ
يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا

الجوعُ يَرْصُدها .. وإمَّا حِطَّةٌ
تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا

* * *

لابُدَّ "هاشمُ" والزَّمانُ كما ترى
يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا

والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ "ديكَهُ"
ويُطيرُ من ليلٍ "غراباً" ناعبا !

والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى
بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا

والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ
هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً

لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها
تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا