طيف تحدر (يوم الشمال).

مرحى ليوم " الظافرين " ومرحباً
بمخاصمين أعزّةٍ أحباب

متجانفين برغمهم فقلوبُهم
كُشُفٌ ضواحكُ، والوجوهُ نوابي (24)

ألغى مسافة بينهم ما أُشربوا
من حبِّ هذي التربة المِخصاب

خُلطت عظامُهم بها، وتعاطفت
فيها صدورُهم على الأعقاب

وتناثرت فيها القبورُ فعندهم
في كل دار قِبلةُ المحراب

* * *

ما أفظعَ الإنسان لم يدفع به
زخمُ الحياةِ بموجِها الصخّاب

ما انفكَّ رغم حضارةٍ مشبوهةٍ
مُغرىً بذبحٍ، مُولعاً بخراب

خزيانَ يمسخ بقعة مخضرّةً
بُقعَ الدماءِ على الرماد الكابي (25)

* * *

لُعِنَتْ عهودٌ آثماتٌ خلفَها
من لعنة الأجيال شرُّ عِقاب

قد كادَ ينفلتُ الزمامُ ويدَّحي
ركبُ العراق لهَلْكةٍ وتَباب (26)

غامت به الأجواء إلا زِبرِجاً
زَيْفاً، كصبغةِ لِمَّةٍ بخضاب (27)

ومشى بها الإجدابُ حتى استعذبت
سنةً تطوف بها من الإخصاب

واستوحشتْ حتى تناستْ جنّةً
كانت تظلّلُها . . لفرط يباب (28)

ودجا غدٌ، وهوت معالمُ رؤيةٍ
سمحاءَ إلا من خلال ضَباب (29)

ومَشَت سُمومُ ضَغائنٍ في أنفُسٍ
ومجالسٍ، ورسالةٍ، وكتاب

قد كاد يرضعها الوليدُ براءةً
ويقيئُها حقداً على الأتراب (30)

وتصارخ التأريخُ مما شوَّهت
منه يَراعةُ مارقٍ نصّاب

لو قيل ما غِشٌ عقوبةُ ربّه
موتٌ، لقلتُ غَشاشة الكتاب (31)

ولطالما لعنت ذويها أحرفٌ
قامت لعورتهم مَقام ثياب


(24) متجانفون: يعرض بعض عن بعض. الكشف والضواحك بمعنى. النوابي: المتجافية المتباعدة.
(25) الرماد الكابي: الخالي من النار.
(26) ادّحى: اتسع. الهلكة: مخفف هَلكة وهي الهلاك. التباب: الهلاك والخسران.
(27) الزبرج: ما زخرف ونقش من وشيٍ أو ذهب.
(28) يباب: قفر.
(29) دجا: أظلم.
(30) الأتراب: جمع ترب وهو القرين في السن.
(31) غشاشة: يريد الغش.