|
ناديت شيطاني فأحسَنَ جابةً
 وهو المعاصي سيِّدَ الأرباب (32)
يا خالبَ الألبابِ جيءْ بيتيمةٍ
هي من وَلائدِ سحرِكَ الخلاّب
حلِّقْ ولا ترحمْ هناك محلّقا
حتى تجرِّره على الأعتاب
كن أيها النورُ المضيءُ بنفسه
في مِهرجان الحقِّ فصلَ خطاب
غنِّ العراقَ بخير ما لُقنتَه
من " موصِليَّيه " .. ومن " زِرياب " (33)
كن أيُّها النورُ المضيء مجرّةً
أبداً تمور بألفِ ألفِ شهاب (34)
وأنِرْ دُروبَ الشعر إنَّ دروبَه
إن أنت لم تنهض بهنَّ كوابي
وكنِ الدليلَ على الضمائر تَهْدِها
سُبلَ اللُّغى، ومحَجَّة الإعراب (35)
واجعلْ " فراديسَ الخيالِ " هوايتي
وهوى عرائسهنَّ من آرابي (36)
وصُغِ الحروفَ عجائباً وتَناسَها
حتى كأنَّك لم تجئْ بعُجاب
سبعونَ عاماً والليالي، مُخَّضاً
طلَقاً، يلدنَك بعد طولِ عذاب (37)
حُشِدتْ لإرضائي فتونُك كلُّها
وكأنَّها حُشِدتْ على إغضابي
نهبَ الزعازع، شارداً، متحرقاً
لبناء بيتٍ مُحكم الأطناب (38)
وتكادُ تنطِفُ من رِباط حروفه
بُقْيا جراحٍ ينتَزفْنَ رِغاب (39)
ما أفسَدَ الأوتارَ في فَمِ شاعرٍ
حتى يشُدَّ بها على الأعصاب
* * *
يومَ الشمال وأنت من تَطلابي
وإليكَ من عشرينَ كان خِطابي
لم تُزو عن عيني رُؤاك ولا خَلَت
شفتايَ من نَغَمٍ ومن تَطراب
قد كنتُ منك ولستُ أبرَح قِطعةً
وهواك ظلَّ على المدى من دابي (40)
ناغَيتُ أعشاش النُسور كأنّها
فوق القِبابِ نماذجٌ لِقباب
وعلوتُ أسنِمةَ الجبال وخلتُني
منهنَّ ممتطياً مُتونَ سَحاب (41)
وسمِعتُ همهمةَ الرياح مُبينةً
عمّا بها، وكأنّه عمّا بي
ولممَتُ من آداب أهلِكِ باقةً
نُثِرَتْ براعِمُها على آدابي
وجنتْ يدايَ قُطوفَها، وترنَّحَت
قدماي في سُوحٍ له وشِعاب (42)
وخطفت همساً من نجاوى صبوةٍ
رَفلٍ كأنداء الصباح عِذاب (43)
خَلَجاتُ أحلامٍ، كأنَّ رفيفَها
هَمْسُ الربيع لروضةٍ مِعشاب (44)
ورؤى تَمازَجُ لا تُبينُ كصَحْوةٍ
في غَفْوةٍ، أو حَضْرةٍ بغيَاب (45)
|
(32) جابة : لغة في ” غجابة ” ومنه المثل: ” من ساء سمعاً ساء جابة “.
” والمعاصي سيد الأرباب ” إشارة إلى عصيان إبليس ربه، وامتناعه من السجود لآدم، لأن ” آدم ” خلق من طين، ولأن إبليس خلق من نار !!.
(33) الموصليان: هما إسحق وابنه إبراهيم وهما من أشهر المغنين في العهد العباسي. وزرياب: أشهر ضارب على العود وله في الغناء أيضاً صنائع معروفة.
(34) الشهاب: النجم. كوابٍ: عواثر.
(35) المحجة: الطريق. الإعراب: البيان.
(36) فراديس: جمع فردوس وهي الجنات. آراب: جمع أرب وهو القصد والطلب.
(37) مُخّض: جمع ماخض وهي التي أدركها المخاض للولادة، الطلق: الدفعات التي تعرض للماخض قبيل الولادة.
(38) الأطناب: جمع طنب وهو الحبل الذي يشد الخيمة بالوتد، ومحكم الأطناب أي محكم البناء.
(39) نطف: سال. رغاب: جمع رغيب وهو الواسع.
(40) الداب: بتسهيل الهمزة الداب.
(41) الأسنمة: جمع سنام. وأسنمة الجبال أعاليها.
(42) قطوف: جمع قِطف ( بالكسر ) وهو العنقود واسم للثمار. شعاب: جمع شِعب وهو الطريق في الجبل.
(43) نجاوى: جمع نجوى وهي الهمس بين الحبيبين. رَفَل: الزهو والترف. الصبوة: ميل الحب.
(44) معشاب: ذات عشب وافر أي خضراء.
(45) تُبين: تفصح فإن قلت ” تَبين ” تظهر وتتضح.