تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، فما تَرتجي
![]() مِن العيش عن وِرده تُحرَمُ
![]() أأوجعُ مِن أنَّك المُزدرى
![]() وأقتلُ مِن أنَّك المُعدِمُ
![]() تقحَّمْ فمَنْ ذا يَخوضُ المَنون
![]() إذا عافَها الأنكدُ الأشأمُ
![]() تقحَّمْ فمَنْ ذا يلومُ البطين
![]() إذا كان مِثلُكَ لا يَقْحَمُ (1)
![]() يقولون مَن هم أولاءِ الرَّعاعُ
![]() فأفهِمْهُمُ بدَمٍ مَنْ هُمُ
![]() وأفهِمْهُمُ بدمٍ أنَّهمْ
![]() عَبيدُكَ إنْ تَدْعُهمْ يَخدُموا
![]() وأنَّك أشرفُ من خيرِهمْ
![]() وكعبُك مِن خدهِ أكرمُ
![]() * * *
![]() أخي "جعفراً" يا رواءَ الربيعِ
![]() إلى عَفِنٍ باردٍ يُسْلَمُ (2)
![]() ويا زهرةً من رياضِ الخلودِ
![]() تَغَوَّلها عاصفٌ مُرْزِمُ (3)
![]() ويا قَبَساً من لهيبِ الحياةِ
![]() خَبَا حينَ شَبَّ له مَضْرَمُ (4)
![]() ويا طلعةَ البِشْرِ إذ ينجلي
![]() ويا ضِحكةَ الفجرِ إذ يَبْسِمُ
![]() لثمتُ جراحَكَ في "فتحةٍ"
![]() هي المصحفُ الطهرُ إذ يُلْثَمُ (5)
![]() وقبّلتُ صدرَكَ حيث الصميمُ
![]() مِنَ القلبِ مُنْخَرِقَاً يُخْرَمُ
![]() وحيث تلوذُ طيورُ المُنى
![]() بهِ فهي مُفزعةٌ حُوَّمُ
![]() وحيث استقرّت صفات الرجال
![]() وضَمَّ معادنَها مَنْجَمُ (6)
![]() ورَبَّتُ خدَّاً بماء الشبابِ
![]() يرفُّ كما نَوَّرَ البُرْعُمُ (7)
![]() ومَسَّحْتُ من خِصَلٍ تَدَّلي
![]() عليهِ كما يفعل المُغْرَمُ
![]() وعلّلتُ نفسي بذوبِ الصديدِ
![]() كما عَلَّلَتْ وارداً زمزمُ
![]() ولَقَّطتُ من زبَدٍ طافحٍ
![]() بثغرِكَ شهداً هو العَلْقَمُ (8)
![]() وعَوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةً
![]() عَصَرْتَ بها كلَّ ما يُؤْلِمُ
![]() عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي
![]() تَقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُّوَّمُ
![]() أخي جعفراً إنَّ رَجْعَ السنينِ
![]() بَعْدَكَ عندي صدىً مُبْهَمُ
![]() ثلاثونَ رُحْنَا عليها معاً
![]() نُعَذَّبُ حيناً ونستنعِمُ (9)
![]() نُكافِحُ دهراً ويَسْتَسْلِمُ
![]() ونُغْلَبُ طَوراً ونَستَسْلِمُ
![]() |
(1) البطين : كبير البطن وهو هنا من شدة الشبع .
(2) العفن البارد يراد به هنا القبر ، ورواء الربيع : بهاؤه ولطفه .
(3) المرزم : المرنان الصخاب .
(4) مضرم : فاعل لشب وهو مصدر ميمي بمعنى الضرام كأنه يقول : شب ضرامه .
(5) الفتحة هنا اشارة إلى فوهة الجرح المفتوحة .
(6) حيث استقرت صفات الرجال يراد به القلب الذي منه تنبعث عناصر القوة .
(7) ربت بتشديد الباء أي ضرب بلطف .
(8) البيت وما بعده اشارة إلى واقعة حال كان فيها الشاعر ينحنى على أخيه وهو في الرمق الأخير ليقبله وكان من الشهيد أن قبله ايضاً .
(9) ثلاثون : اشارة إلى الثلاثين عاماً التي هي عمر الفقيد .