المقصورة .

أقولُ لنفسيْ – إذاضمَّها
وأترابَها محفِلٌ يُزدهى :

تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ
إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى

وأحسنُ ما فيكِ أنّ "الضميرَ"
يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا

وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ
تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى

ولم تستطعْ هممُ المدَّعين
صبراً على جمرةٍ المدَّعى

خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ "القُيون"
تَرعرَع في النار ثمَّ استوى (1)

تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا
يَقَرّانِ إلا على مُرتقى

كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ
والهمِّ ، مخلوقةٌ للذُّرى

شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ
لأبعدَ ما في المدى من مدى

وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ
بما تتركينَ بها من صدى

بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ
تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى

وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ
يُخاف على الرُّوحِ منه العمى

يموتُ " النبوغُ " بأحضانه
ويُنعى به " الأمل " المرتجى

وتمشي الجموعُ على ضوئهِ
لتبكي على عبقريٍّ قضى

وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها
حواشيه .. ردَّكِ عزمٌ مَضى (2)

* * *

لشرِّ النِهاياتِ هذا "المطافُ"
وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى

متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ
تُساقُ إلى حتفِها بالعصا

تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ
ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا (3)

وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ
كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى

يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ
إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى

وتسمًن منها عِجاف مشَتْ
إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصى

تُراودُها عِزَّها كالقُرومِ
هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا (4)

عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها
لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا

وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها
كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى (5)

وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ
بها : كيف إيقاظُها أو متى

ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها
على الذُّلِّ ، أيَّ خيالٍ تَرى

أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا
كرىً ،أمْ صبياً بريئاً غفا ؟ (6)

متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى
عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى

وقد نَفَض الكهفُ عن أهله
غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟

تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ
وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما

وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها
كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا


(1) القيون : واحدها قين ، وهو الحدَّاد وصانع السيوف وابن القيون هو السيف لأنه من نتاجهم .
(2) ردك : جواب شرط (أن) في قوله وأنك أن تلمع مطمع .
(3) عرق العظم : أزال ما عليه من لحم و اللحاء : قشر جذع الشجرة .
(4) القروم : السادة ، واحدها قرم . اللهجان : جمع هجين وهو الذي ولد من أبوين مختلفين من الجنس .
(5) قر على الذل : خضع للذل ، والخيشوم : أعلى الأنف ، البرى : جمع برة وهي حلقة تُجعل في أنف البعير الصعب القياد لينقاد ، وخطم هنا بمعنى أذل وأخضع .
(6) الهم : الشيخ الكبير .