المقصورة .

سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ
هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى (1)

وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً
وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا (2)

وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم
بأن قد مضى الليلُ إلا إنى (3)

ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ
عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى

وما برِحَ القمرُ المستديرُ
يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا

تلوذُ النجومُ بأذيالهِ
هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا

إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ
ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى

* * *

سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ
تناثرُ مِن حولهن القُرى

ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى
يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى

وحبلِ ضياءٍ تدلّى به
على أُفقٍ أُفقٌ والتقى

كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ
تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى

يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ
ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى (4)

وينتزعانِ الشُفوفَ التي
تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى

رويداً رويداً كما سُرِّحتْ
غلائلُ غانيةٍ تُنتضى

وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ
نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى

تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ
وأُغرم عارٍ به فاكتسى

كأنَّ بها عالماً واحداً
تلاقى ، وإنْ بَعُد المنتأى

* * *

سلامٌ على بلدٍ صُنتُه
وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى (5)

كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق
على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى

وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة
لنا عند غايتها مُلتقى (6)

غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ
طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا (7)

وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً
يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا (8)

ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ
ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى (9)

غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا
يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا


(1) سجا الليل : خيم وهدأ .
(2) الجندب : الصرصر . سحيل : الثعلب .
(3) إنى : بقية القليل .
(4) سدوف الدجى : ظلماته والواحدة سدفة .
(5) جفاء جفوة : ابتعد عنه وزعل . القلى : الكره والبغض .
(6) أغذ السير : أسرع . إلى طية : إلى نية يقصدها .
(7) يطن : يصفر أي يخلو .
(8) الضبع : العضد ، ويستقل بضبعي أي يتعلق بها .
(9) يقدر الشيء : يعرف قدره وفي القرآن : وما قدروا الله حق قدره .