المقصورة .

ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ
يظنّونها جُبَباً تُرتدى

كما جاوبتْ "بومةٌ !"بومةً
تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا

ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ
من القولِ ، رعيَ الجمالِ الكلا (1)

يرَوْنَ "وُرَيقاتِهم" بُلغةً
من العيشِ لا غايةً تُبتغى

فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ
لمنْ يعتلي ، صهوةٌ تعتلى

* * *

ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ
زوايا المقاهي لهم مُنتدى

تصايَح باللغوِ ما بينها
صِياحَ اللقالق تنفي الحصى

وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ
تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما

ألا يخجلونَ إذا قايسوا
حياتَهمُ بحياةِ الأُلى

سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ
فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى

وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ
فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى (2)

وعارٍ تحلّى بثوب الأديب
وممَّا يُزكّي أديباً خَلا

ومن تبعات النُّفوس الكبار
بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى

ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه
فوغداً أهرَّ ووغداً شلا (3)

إذا ما تصفحتَ أصنامَه
وهُزأةَ ألقابها والكُنى

أراكَ وإن أنكرَ العالمانِ
بمزمارِ داودَ ، بُوماً شدا

وأنَّ غُراباً شأى "معبداً"
وأنّ حِماراً "غريضاً" حَكى (4)

بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ
كلُّ الذي تشتهيهِ طها

يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ
ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا

يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى
ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى (5)

يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل
جُذَيْلاً هجا ، وعُذَيْقاً رمى (6)

وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً
أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا

حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ
بفَضْلاتهِ ، وزوي ما زوى

وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ
وأنيابَهنَّ بها واختفى

* * *

يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ
تُدير على الأرضِ حُكم السَّما

ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ
على الناسِ يَجري : بأيدي سبا

وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى
وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا (7)

فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ
على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟

وأضحى "ثمودُ" و "لوطٌ" به
ومَن لهما في الشرورِ انتمى

ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ
وجارَ على أهلها واحتمى

حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ
في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا

يسائلُ بعض به بعضهم
أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟!

أخِذْتُ لأني ركبتُ الطريقَ
شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى

وأنتَ أُخِذْتَ على ناقةِ
بفلْسين أمثالُهم تُشترى

وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ
تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا

نجيءُ الحياةَ على رِسلِها
نهاياتُها عندنا كالبِدي

ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي
ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي (8)

ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ
فيُشرِقنا كبتُها بالشجا (9)

إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا
بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى

ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ
ما كانَ غيرَهمُ ، والتَّوى (10)

وجَدنا هُنا كلُّ ذي عورةٍ
على كلُّ حُرمةٍ قد سطا

وكلُّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ
تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى (11)

وجَدنا الرِّجالَ هنا بالرَّجالِ
لاهينَ ، في وَضَحٍ من سَنَا

على حيَن تختصُّ نِسوانُهم
نساءً ، ومنتصِفٌ من جزى

وجدَنا الزعيمَ كما يَنْعَتُون
على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى

وجدنا الخبائثَ و الطَّيباتِ
بإضدادِهنَّ -هنا- تُصطفى

وجدنا الرَّجال واسماءَهم
يُخفَّفُ من قُبحها بالكُنى


1) الكلا : الحشيش .
(2) المعي : واحد الأمعاء .
(3) أهر الكلب وشلاه : أغراه بالتحرش والاعتداء .
(4) معبد و غريض : مغنيان في العصر الأموي ، شأى : سبق .
(5) بص الكلب بذنبه وبصبص : هزه تذللاً لصاحبة وتملقاً .
(6) المثل المشهور : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، فالجذيل تصغير جذل وهو أصل الشجرة الباقي بعد ذهاب فروعها ، و الفسيل : النالة وهي صغيرة النخل .
(7) السقب : ولد الناقة ، الرغاء : صوت البعير .
(8) نغتلي : نغالي : نبالغ ، والهناة : الرذيلة .
(9) شرق بالماء : غص به ، الشجا : عظم يقف بالحلق .
(10) التوى : الهلاك .
(11) الأصيد : السيد الكريم .