المقصورة .

بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ
وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى

ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي
لدى الناسِ في وجهها والقفا

سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ
يبدو ، ولا وجهُها من ورا

ولا يستبيحُ بها سابقاً
إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا

ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ
ذميمٌ ، ولا يدّري مَن وعى (1)

وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى
لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى

وكان بها المُثُل الصالحاتُ
لا الطالحاتُ ، هي المُقتدى

فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً
جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى

ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً
لتحضِنَ منه خيالاً سَرى

وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ
بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى

ولا تُنكروا أنَّ "عُشّاً" به
تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا

كطُهْرِ "الطفولةِ" أجواؤه
وأفياؤه كرفيفِ الضحى

ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه
لكم في صميمِ زمانٍ جَسا (2)

ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ
نزلنا إليها ، وأيَّ الهُوى (3)

وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له
بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا

ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى
وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى

وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ
أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا (4)

ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً
بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى

وشرُّ "السهامِ" رُواءُ النعيمِ
وشرُّ "النضالِ" بريق الغِنى (5)


(1) الوثة بالفتح : الشر .
(2) جسا : يبس وقا .
(3) الهوى : جمع هوة .
(4) شبا السيف : حده .
(5) إذا أحيط الإنسان بالنعيم أو لوحوا له بالغنى ولم يكن صلباً في النضال تخاذل وفتر ، فالنعيم والغنى شر السهام وشر النضال .