يوم الشهيد .

تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا
أن "الحكومةَ" بالسِياط تُدامُ

والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم
إن فرَّ عن "حُلمٍ" يَروع منَام

وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها
حَنَقاً كما تتفجّر الألغام

وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي
وإذا بما ركنوا إليه رُكام

وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ
"وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام" (1)

* * *

يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ
يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام

ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه
قَدَرٌ ، وما تَتَمخَّضُ الأيّام

ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه
إن حانَ حِينٌ واستتم تمام

امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ :
"النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام"

* * *

اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني
ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام

علماً بأن دِماءَهم ليست لهم
وبأنها للجائعينَ طَعام

للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى
ومَماتُه ، ورَضاعةٌ وفِطام

يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى
داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام

تَعِبَ الأساةُ به ، وجافَى أهلَه
يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم (2)

وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى
منه الجذورُ ، وتُقطَعَ الأَجذام (3)

يوم الشهيد ! بك النُّفوس تفتَّحت
وَعياً ، كما تَتَفَتَّحُ الأكمام

كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه
والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام

طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ
أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام (4)

وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم
وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام

وأعضَّ قوم بالسكوت ، وأفصَحَتْ
عن غير ما عُرِفَت به أقوام

وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ
جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام

وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة
من حولها تتراكمُ الآلام


(1) خشارة : الرديء من كل شيء والعجز تضمين من بيت لأبي نواس .
(2) الأساة جمع أس وهو الطبيب ، والنطاسي الحاذق الماهر .
(3) الأجذام جمع جِذم (بكسر الميم) وهو الأصل .
(4) الأشب : المختلط .