يوم الشهيد .

لاهُمَّ عفَوكَ ، لا الشجونُ قليلةٌ
عندي ، ولا أنا أخرسٌ تَمتامُ

قلبٌ يذوبُ أسىً ، وشعرٌ كلُّه
ضَرَمٌ ، وبيتٌ كلُّه آلام

أخنَى بوحشتِه على جيرانِه
وهَفَا به ، رعباً ، فطارَ حَمام

ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه
ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام

ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني
هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام

وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها
حَرَجٌ ، وكَبْتُ أُوارها إيلام

لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى
عنه الضميرُ ، وعَقَّه الإِلهام

وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ
والساهرونَ الليلَ والنُّوام

أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ
غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام (1)

او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما
يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام

والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى
والفارِغونَ كأنَّهم أصنام

والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ
فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام

والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ
فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام

ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ
أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام

لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم
شُبُهاً ، فلا وَضَحٌ ولا إبهام

من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة
قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام

يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه
او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام

الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى
فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام

واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ
عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام

حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها
كأساً "إياسٌ" مرةً و "عِصام"

وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها
مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام (2)

زَحَموا الصُّفوفَ "مشَيَّعين" كأنَّهم
بين المواكبِ قادةٌ أعلام

ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما
يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام

ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم
نَفْخَ الطُّبول ، وأقعدوا وأقاموا


(1) غفل و سوام من صفات الواب المهملة التي لا قيمة لها ، ومن الناس من لا يرجى خيره ولايخشى شره ، ولا حسب له .
(2) شرط الحرب يقتضي أن يقابل همام هماماً ، ولكن لا هؤلاء لا يوفون هذا الشرط لأنهم (كما سيأتي) لئام جبناء .