عالم الغد .

عجبا ! هل علمت ؟ من ذا تكونُ ؟

أنت يا من تركّز التكوينُ

فوق متنيك، والوجودُ الثمينُ

آه لو زايلتْكَ هذي الظنونُ

شاءها الخوفُ والنظامُ المهين

وتجلّى لك العيانُ اليقين

والمكانُ الذي تحل المكين

وبأيّ الهِباتِ أنت قمين

آه لو كنتَ عالماً ما يحين

_ * _

لو تأبيت أن تجوبَ القِفارا

وترودَ البحورَ والأنهارا

وتدكّ الصخورَ والأحجارا

وتَشيدَ القِلاعَ والأسوارا

باعثاً ميّتَ التُرابِ نُضارا

وزروعاً فَيْنانةً وثمارا

وسلاحاً وزينةً ودِثارا

لو تحاشَيتَ أن تقيمَ مطارا

أو تهيى دبابةً وقِطارا

_ * _

أو ترفعت أن تُذيبَ الحديدا

وتُزَجّى فيالقاً وجُنودا

وتُعَلّي معابراً وسدودا

وتُصَفّى سبائكاً ونقودا

وتسوّي جواهراً وعقودا

وكُبولاً بجنبِها وقُيودا

_ * _

كفَّ يوماً عن أن تكون أسيرا

للذي أنت "ربُه" مأجورا

لترى هل تكونُ إلا أميرا

وبشيراً إلى الورى ونذيرا ؟

ذُقْ كما شئتَ يومذاك الخمورا

وتخيَّرْ كما تريدُ القصورا

ثم جاوِرْ "مخلَّدِينَ" و "حُورا"

واسحبِ الخَزَّ ناعماً والحريرا

واسقِ أطفالَك الظِماءَ العصيرا

_ * _

من مِزاجِ التّفاحِ والأعْنابِ

لا خليط الأوشالِ والأوشاب

وترضَّ الصغارَ بالألعاب

من تصاويرِ غابرينَ عجاب

نزلوا نُطْفَةً من الأصْلاب

أرَجُ المِسْكِ فوقها والملاب (3)

والبرايا من طينةٍ وتُراب

قَذِرٍ طافحٍ بعازٍ وعاب

كلّ "رأسٍ" محطمِ الأعصاب

خلفَهُ كُومةٌ من "الأذناب"

_ * _

كلّ مِسْخٍ بالأمس كانَ مخيفا

مشمخراً على الرؤوس مُنيفا

حَبَسَ الفكرَ حولَه أن يطوفا

وهبوبَ الرياحِ إلا رفيفا

وطيور السماء إلا زفيفا (4)

حَذَراً أن تَمسَّهُ تجديفا

لا يراهُ العبادُ إلا وقوفا

وسُجوداً ورُكَّعاً عُكُوفا

_ * _

إنه "كَتْلَةٌ" من التَّقديسِ

مستطيرُ الألوانِ كالطاووس

كلَّ يومٍ له زفافُ العَروس

_ * _

أرِهِمْ ! من "مقوّماتِ" الغَباءِ

وافتضاحِ الخُمولِ في السّيماء

وجمودِ الملامحِ البَلْهاء

فوق هذي "اللُّعَيْبَة" الرَّعْناء

ما يُريهِمْ حقيقةَ النُّبلاء ؟

أرِهِمْ: رأسَ "بُومة" نكراء

صاعداً باستقامةٍ واستواء

فوقَ جسمِ "البغالِ" في الاِمْتِلاء


(4) الزفيف: زف الطائر زفا وزفيفاً إذا بسط جناحيه.