يا نديمي .

يا نديمي وشاهَ مجتمعُ
نخِرتْ في عظامه البِدَعُ (143)

منذ ألفٍ وأهلُه شيع
منْ غَزَاهمْ فَهُمْ له تَبَع

يتهزّا بالجائعِ الشَبِعُ
ويُسَبُّ العفيفُ والورِع

فهو عبد لكل محتَقرِ

وخؤونٍ، ومدَّعٍ ، وثري

* * *

يا نديمي: وواخزُ النَّدمِ
هو أندى جُرحاً وأقوى لَجَاجا

تلِجُ النفسُ منه بالألم
أيَّ باب للحزن يأبى رِتاجا (144)

أبداً في متاهة الظُلَم
تُطفئ الذكرياتُ منها سِراجا

أبداً في صميمها النِخرِ

يرتمي سمُّ حيّةٍ ذكرِ (145)

* * *

يا نديمي وجُبْتُ شتّى بِقاعِ
فإذا الخلقُ كلُّه عبدُ وضعِ

وإذا كلُّ نأمةٍ في الطباع
هي ملزوزةٌ بمخلوق صنع (146)

وإذا كلُّ عبقريٍّ صَناعِ
هو في المُبدعين أفضعُ بَدع

يا نديمي: هوتْ كمنخور جِذع

حِكَمٌ عن دعائمٍ، لُحْن، سَبعِ (147)

* * *

يا نديمي والحبُّ محضُ نفاقِ
ما تخلى عن حُرمةٍ وذمامِ

كم ظنينٍ حتى يرُقية راقٍ
راح يُعطيك روحَه في الكَلام (148)

لك منه الأشواق يومَ التلاقي
وعناقٌ ما بينَ عامٍ وعامِ

ثم يعلو ببُرج بدرٍ تمامِ

ويُخلّيكَ تائهاً في ظلامِ

* * *

يا نديمي: وَنغَّص العيشَ عِلمُ
أنه رهنُ رِقبة الرُقباءِ

ألفُ مغروسةٍ بلؤمٍ تَلُمُّ
رمشةَ الجَفن أو خيوطََ القبَاء (149)

ليتَ عيناً تَعمى وأُذنا تَصَمُّ
عن ظهارٍ، وعن سِرارٍ سواء (150)

إنَّ عيشا نُهى سميعٍ ورائي

كجُواءٍ مُهدَّدٍ بوباءِ

* * *

يا نديمي: لا يَخْدَعْنَك سُكونُ
في نفوسٍ يغلي بهنَّ اضطرابُ

أيُّ بؤسٍ به تَنمُّ العيونُ
وهمومٍ بهنَّ يعيا الإهاب (151)

ربَّ صبرٍ على بَلاء يكون
فيهِ من نفسه عليه ثواب

يا نديمي: وإذ يُثاب المُثابُ

تتساوى جريمةٌ وعِقابُ

* * *

يا نديمي: زاد النفوسَ اضطرابا
كونُها بين شدةٍ ورخاء

يستسيغ العافي السُّموم شرابا
ومُعافى خِلوُ يَغَصُّ بماء (152)

ويرى الموتَ راكبون صِعابا
خيرَ ما اختير من دواءٍ لداء

فإذا ما ابتُلوا بداء الرَّخاء

فهمُ عنه أجبنُ الجُبَناء

* * *

يا نديمي: ومجمعٌ خَرِقُ
نحن وهنٌ في نفسه علَقُ (153)

نحن شئنا أو لم نشأ فِرَق
مِزَقٌ طوعَ أمره خِرق

نحن وَهْوَ الرياحُ والورق
ونجيعُ الدماء والعَلق

نحن صَلصالةٌ من الحُفرِ

آسنات عريقةُ الجُذُرِ


(143) شاه: قبح.
(144) يريد بالرتاج الاغلاق من قولهم: رتجه وأرتجه. أوثق إغلاقه.
(145) الحية الذكر: الحية القوية الشديدة السم.
(146) نأمة: حركة، ملزوزة: لاصقة.
(147) يلمح إلى ” أعمدة الحكمة السبعة “.
(148) الرقية: التعويذة.
(149) القباء: ما يلبس من الثياب.
(150) الظهار: يريد به العلن، السرار: السر. سواء: يريد معاً.
(151) الإهاب: الجلد.
(152) العافي: المحتاج.
(153) العلق: دود يمص الدماء.