يا نديمي .

يا نديمي: ولم أجدْ نَصَفا
أعوز الناسَ كلَّهم نَصفُ (53)

مَن جَسا منهمُ ومَن لَطُفا
ومنِ التاثَ باسمهِ الشرفُ (54)

وقوانينُ شُرِّعتْ هَدفا
ما بها رميةٌ لمن هَدَفوا (55)

يا نديمي: ورغمَ ما وصفوا

ظلَّ شُحٌّ بجنبه سَرَفُ

* * *

يا نديمي: ومَسّني صممُ
وتبنَّى النصيحَ متَّهمُ

يا نديمي: ولو زَكا ندمُ
لاستردَّ الشبيبةَ الهرمَ (56)

لو وعى الوجدُ ما جنى العدَمُ
لتمشَّتْ بمُقعَدٍ قَدمُ

غير أنّ الخفيضَ لم يَطرِ

ورداءَ الشبابِ لم يُعَرِ

* * *

قد سئمتُ الحياةَ لا جَزَعا
ما تسَنى منها فلن أدعا (57)

بل لأني لم أنْهَزِ المُتعا
قابَ قوسينِ نبعُها شَرَعا (58)

ولأنَّ الهيّابَةَ اللُّكعا
نال منها ما اسطاع وافترَعا (59)

ولأنَّ ابنَ مَنبِتٍ قذرِ

لم يدعْ في الحياةِ من وطرِ

* * *

يا نديمي: وما هي المُثلُ
إذ يُساطُ الإيمانُ والدَجلُ (60)

والرِسالاتُ أين والرُسُلُ
حين يُلوي بهنَّ مُنتحلُ (61)

يا نديمي أصحَّ ما نقلوا
أم هو النُّجْحُ كان والفشلُ

فلذيَّاكَ باقةُ الزَهرِ

ولهذا الشُّواظُ مِن سقرِ (62)

* * *

يا نديمي وشَفَّني حَزَنُ
أن تساوى القبيحُ والحسَنُ

والغبيُّ السفيه والفَطِنُ
وطَهورٌ وجيفةٌ عفِنُ

يا نديمي وضاع مؤتَمنُ
في خَؤونٍ، وأفوهٌ لَسِنُ (63)

في حَصورٍ، ومُحكمُ السّوَرِ

في خضمٍ من تافِهِ الهذَرِ

* * *

يا نديمي كم أكرهُ المَلَقا
والكذوبَ المنافقَ الخَرِقا (64)

يا نديمي وعزَّ من صدقا
إنَّ بي من كليهما فَرقا (65)

غير أني ألِفت ما اتفقا
حينَ لم ألفِ غيرَهُ طُرُقا (66)

يا نديمي: وصنعُ منتحرِ

أن تُرى رهنَ مجمعٍ أشِرِ (67)

* * *

يا نديمي والنفسُ كنزٌ نفيسُ
والكنوزُ المبعثرات كِثارُ

ومدى الدهرِ سوفَ تشقى نُفوسُ
داجياتٌ بألفِ نجمٍ تُنارُ

ونفوسٌ طابتْ فهنَّ شُموسُ
مشرقاتٌ لم تَدرِ كيف النهارُ !

يا نديمي وأين أينَ الفِرارُ ؟

ألنا غيرَ هذه الدارِ دارُ


(53) النصف: الانصاف والعدل.
(54) جسا: خشن، التاث-هنا: تلوث.
(55) هدفوا: هنا صوبوا نحو الهدف.
(56) زكا: طاب.
(57) تسنى: حصل.
(58) شرعا: سهل الورود.
(59) اللكع: الدنيء، افترع: أخذ.
(60) يساط: يمزج.
(61) يلوي: يحرف، منتحل: مختلف.
(62) الشواظ: اللهيب.
(63) الأفوه: البارع في الكلام، ومثلة اللسن، والمعنى أن ضاع الأفوه اللسن في العاجز عن الكلام.
(64) الخرق: الأخرق الأحمق.
(65) الفرق: الخوف.
(66) اتفقا: أي اتفق أطلقت الفتحة فصارت ألفا ومثله. صدقا، والملقا.
(67) أشر: البطر ويريد به الجشع الخبيث.