يا نديمي .

يا نديمي: ورانتِ العُقَدُ
واشتكى ثِقلَ روحهِ الجسدُ (41)

شاب صفوَ المطامحِ الحَسدُ
وهوى بالتجلدِ الجَلَدُ

وانطوتْ أنفسٌ بما تَجِدُ
فعليها من نفسها رَصدُ

وتدنَّت علاقةُ البشرِ

لحضيض الشُّكوكِ والحذرِ

* * *

وبكى الزهرُ أن يُرى تيجانا
لرؤوسٍ محشوَّةٍ بفسادِ

وشكا الشِعرُ ذُلَّهُ والهوانا
ل "حبيبٍ" و "أحمدٍ" و "زياد" (42)

وشجا الحرفَ أنَّ هُوجاً هِجانا
تهتِك الستر عن بناتِ الضاد (43)

كم دعيٍّ دُعي فلم يَحِرِ (44)

مثل بغلٍ عاصٍ فلم يدُرِ

* * *

رُبَّ ليلٍ قطعتُه إِرَبا
أرقَبُ النجمَ كيف يرتكسُ (45)

وغديرَ الصبحِ الذي اقتربا
من خِلال الغُيوم ينبجِسُ (46)

وغيوماً بنَتْ لها طُنُبا
بمهبِّ النسيم ينتكسُ (47)

صوَرٌ كالخُيوط تلتبِسُ

الدجى، والصباحُ، والغلَسُ (48)

* * *

قيل لي: ماتَ أمسٍ، عفواً، فلانُ
قلتُ: كبَّا على يدٍ وفمِ

كان قفراً زمانُهُ والمكانُ
فازدهنْهُ توافهُ النِّعمِ

فاته من شبابها العُنفوانُ
فتَكفّى بفضلةِ الهرمِ (49)

قلْ لمستنكفٍ من العدَمِ

مهدُ " عيسى " حظيرةُ الغنمِ

* * *

يا نديمي: ولو خُلقتُ نبيّا
لتطبَّعتُ منهمُ بهَناةِ (50)

هبنيَ الزهر عاشَ غضاً جنيّا
ثم عاثتْ به أكفُّ الجُناةِ (51)

ما تراني وقد بلغتُ العِتيّا
فاستنامتْ على الحُنوِّ قناتي (52)

أتملى في النور شيّاً فشيّا

عِبراً كنَّ أمسِ ظلاً وَفيا

* * *

يا نديمي: إنّ الحياةََ مُنى
فإذا زُلْنَ فهي كالعدمِ

ومنىً كنَّ يقتدحْنَ سنى
في دُروبٍ تعِجُّ بالظُلَمِ

عِفتُ مما حمَّلنني ثمنا
هو أغلى من عِيشةِ السأم

إنّ عيشي، أمسي، على حذرِ

صنوُ يومي يعاشُ في خدرِ

* * *

يا نديمي: ووَقنى بلدا
عَقُمَ الخيرُ فيه أن يَلِدا

هو جَوْعانُ، متخَمٌ حَرَدا
وهو عُريان، مكتسٍ عُقَدا

وهو إذ صِيغَ أهلُه بَددا
يَكرهُ الخلقَ أينما وُجِدا

يا نديمي: وأقصِ عن بصُري

بشراً حاقداً على البشرِ


(41) رانت: غطت واشتدت.
(42) حبيب: أبو تمام، أحمد: المتنبي، زياد: النابغة الذبياني.
(43) الهجان: يريد جمعاً لهجين غير أصيل.
(44) لم يَحِرِ: لم يستطع كلاما.
(45) يرتكس: يغيب.
(46) ينبجس: يطلع.
(47) الطنب: عمود البيت يريد به البيت نفسه.
(48) الغلس: ظلمة آخر الليل.
(49) تكفى: اكتفى، فضلة: بقية.
(50) الهناة: النقص.
(51) الجناة: جمع الجاني وهو يقطف الزهر.
(52) العتي: الكبر، الطعن في السن.