يا نديمي .

يا نديمي: وهذه الزُمَرُ
هي أغلى ما خلَّفَ البشرُ

هي أمَّارةٌ وتأتمرُ
وهي كلُّ الغنى وتَفتقرُ

وهي إن عاث فاتكٌ إشِرُ
قوةٌ للشُعوب تُدَّخرُ

يا نديمي: وخيرُ مدَّخرِ

بشرٌ عاطفٌ على البشرِ (79)

* * *

أنا بين الطُغاةِ والطُّغمِ
شامخٌ فوق قِمَةِ الهرَمِ (80)

فإذا حانَ موعدُ الأزَم
وارتطامِ الجموعِ بالنظُمِ (81)

خلتُني عند سيلها العرِم
قطرةً لامستْ شفاهَ ظَمي (82)

يخضِد المدُّ شوكةَ الجزَرِ (83)

إذ تصُبُّ البِحارُ في الغُدُرِ

* * *

يا نديمي ولي حَشىً يَخِزُ
لجُموعٍ عن واحدٍ عَجَزوا

هم كماةُ الوغى إذا ارتجزوا
ويطيحون إن هُمُ لُكِزوا (84)

فَهُمُ من تناقُضٍ لُغُزُ
وهمُ في يمينهِ خرَزُ

يتَلهّى بها عن الضَّجَرِ

ويدُكُّ الأوضاحَ بالغُرَرِ (85)

* * *

يا نديمي: أمسِ اقتنصتُ طريدا
شاعراً كان يستضيفُ البيدا

كان هِمّاً وكان صُلباً حديدا
يملأ القَفرَ، مُوحشاً، تغريدا (86)

قلتُ مَن ؟ قال: شرطَ أن لا تزيدا
أنا أُدعى: "مسافراً ويزيدا"

من بلادٍ أعدتْ عليَّ القرودا (87)

ونفتني وكنتُ فيها نشيدا

* * *

وتولَّى عني .. فظَلْتُ مليّا
في قرودٍ – مُفَكّراً – ونشيدِ

وعلى أنّهُ أجادَ الرَّوّيا
أم أجدْ في رَويّهِ من جديدِ

كان قلباً غضاً وفِكراً طَرياً
شاءه الحظُّ في مَزاحفِ دُودِ

كلُّ طيرٍ "مسافرُ بن يزيدِ"

حين يغدو فريسةً لقُرودِ

* * *

يا نديمي: وكان أمسِ يُكَنّى
لفلانٍ عن محنةٍ لفلانِ

وهو ممن بفضلهِ يُتَغَنَّى
بين فرضَيْ صَلاته والأذانِ

فإذا ب "المِجَنِّ !" يُضحي مِسنَّا
ومِقَصّاً لأكلِ لحم "فلانِ" (88)

عائداً من خُرافة .. "المتفاني !!"

بحديثٍ عما " جنته اليدان !! "

* * *

و "جنتهُ اليدان !!" سَقْطُ مَتاعِ
عن سِفاحٍ، وفاسقِ النظُمِ (89)

وهو سمٌ مروقٌ في " العراقِ "
من فمٍ يَبصقُونهُ لفَمِ (90)

وهو حُلو المساغِ عذبُ المذاق
لصعاليكَ في حِمى النِعمِ

يستحلُّونه مع الحُرَمِ

لازدراء الوفاء في الأزَم


79) عاطف: حانٍ.
(80) الطغم: يريد الطغام وهم أوغاد الناس والأوغاد هنا المستبدون.
(81) الأزم: جمع أزمة.
(82) السيل العرم: الماء الطاغي.
(83) يخضد: يقطع.
(84) كماة: جمع كمي وهو البطل، الوغى: الحرب، وهو في الأصل صوتها.
ارتجزوا: أقدموا على الحرب لأن الفارس العربي قديماً كان ينشد أبياتاً من الرجز. لكزوا: لكموا.
(85) الأوضاح: جمع وضح وهو بياض في أدنى قوائم الفرس.
(86) الهمّ: الطاعن في السن.
(87) أعدت عليَّ: استثارت، وحرضت عليّ.
(88) المجن: الترس ( بضم التاء ) وهو ما يحتمي به المقاتل. المسن: ما اتحد به السيوف وأسنة الرماح.
(89) السفاح: الزنا.
(90) السم المروّق: المصفى أي الحاد.