يا نديمي .

يا نديمي: وهبَّ حقلٌ وحقلُ
نافضاً عنه من خمولٍ دِثارا

وتنحَّى عنه من الليل ظلُّ
فهو يشتدُّ روعةً واخضِرارا

كلُّ غصنٍ به تعلَّقَ طَلُّ
دبَّ فيه دِفءُ الحياةِ فغارا

إنَّ كوناً في حسنه لا يُبارى

سلّ من ربقةِ الظلام إسارا (35)

* * *

يا نديمي: كم سَجْعةٍ لمغنّي
ذكَّرتني الصِّبا وسجْعَ الدُّيوكِ

وانثنتْ بي منها لقُضبانِ سِجنِ
ثمَّ منها إلى مصيرِ مُلوكِ

ورمتني بمثلِ رمشةِ جَفنِ
لمهاوي وساوسٍ وشكوكِ

في نظامٍ مُهلهَلٍ وحَبيكِ

وصفيقٍ من سترهِ وهتيكِ !

* * *

يا نديمي: إن الشبابَ تولَّى
مُلقياً خلفَهُ على النفس ظِلا

يمنعُ العمرَ بعده أن يُملا
يا نديمي: وعِفتُ إلا الأقلا (36)

ذكرياتٍ مثلَ السرابِ تعلَّى
مُوهِماً فرطَ غُلةٍ أن تُبَّلا (37)

يا نديمي: وسرتُ بالأثر

وتخفى السرابُ عن بصري

* * *

يا نديمي: هل الحياةُ خيالُ
أم نسيجٌ يُعِدُّه منوالُ

يا نديمي: ستونَ، مرت، ثقالُ
رازحاتٌ كأنهن جِمالُ

مثقلاتٌ .. أو مثلَما تنهالُ
صوَراً في روايةٍ، أبطالُ

يا نديمي وتنهضُ الأطلالُ

من جديدٍ .. إذ نحن غيبٌ،زوالُ !

* * *

يا نديمي: وما هي القيَمُ
غيرَ ما زُخرفتْ به نظُم

شاءهنَّ الخصيمُ والحَكمُ
وحَماهنَّ صارمٌ خَذِمُ (38)

مَنْ رعاهنَّ فهو محتشَمُ
أو جفاهنَّ فهو مُتّهم

يا نديمي: ومِن لظى سقَرِ

صِيغَ هذا اللِّجامُ للبشرِ

* * *

يا نديمي: وقد تحيرَ ظنُّ
في اشتراعِ الثاراتِ في الأديانِ

فسيبقى ما قارعَ السنَّ سنُّ
بَشرٌ أدردٌ بِلا أسنانِ

وزنودٌ بمثلهنَّ تُطَنُّ
أنْ تُباعَ الزنودُ بالأطنانِ (39)

يا نديمي: أليسَ ثمّة ثاني

لاختلاف الإنسان والإنسان ؟

* * *

لا يُهينُ النجومَ غزوُ الفضاءِ
نحنُ ندري بأنها أجرامُ

سوفَ يَبْقَينَ قُدوةَ الشعراءِ
ريثَ يحلو لهم بأرضٍ مُقامُ

سَدَّ أبصارَنا بهيرُ الضياءِ
أنَّه كان في النفوسِ الظلامُ (40)

سوف تعلو بالمُلْهِم الأحلامُ

ما تَردّتْ شريعةٌ ونظام

* * *

يا حفيظاً على الكرى أن يَطُوفا
بقِباحٍ كالوحشِ مزدَرياتِ

كُنْ بمكبوتةٍ تخفَّى لطيفا
وترفَّقْ بمَيتِ الذكرياتِ

لا تُزِرني أشباحَها والطُّيوفا
من شخوصٍ صدقٍ ومفترَياتِ

جئتني من عوالِمٍ أخرياتِ

– كالزواني – فواحشاً مُغرِياتِ


(35) الربقة: حبل فيه عدة عرى يشد به، الأسار: الأسر.
(36) أن يُملا: يريد أن يتملي أي يستمتع.
(37) الغلة: شدة العطش.
(38) الصارم الخذم: السيف القاطع.
(39) تطن: تقطع.
(40) البهير: يريد الباهر.