|
يا نديمي لم يبق لي ما أُرجِّي
 غيرُ ليتٍ، و"ليتُ" زرعٌ بصخرِ
ليتَ أني لبربرٍ أو لزَنجِ
أتغنّى شجونَهم طولَ عمري (68)
نِصفَ قرنٍ ما بين دُفٍّ وصَنجِ
أتُراني كنتُ انتُبِذتُ بقفرِ (69)
وتُجوهلتُ مثلَ واوٍ لعَمرو ؟ (70)
لستُ أدري ولا المنجمُ يدري !
* * *
يا نديمي: وأنت لي وَطرُ
وأنا في الحياةِ لي أوطارُ
ضلّ من ظنَّ أنني حجرُ
يُبتنى منه للجموعِ جدارُ
وبأنّي دمٌ لهمْ هدرُ
مِن ثرىً سال فيه تُشوى جِرارُ
أنا لي من طبيعتي قيثارُ
بالذي شئتُ تنطِقُ الأوتار
* * *
يا نديمي: وقد رجَعْت لرُشدي
فوجدتُ الرُشدَ المُبينَ ضلالا
وسراباً ما خَلتُ أعذبَ وردِ
وجنوباً ما قد حسِبتُ شمالا
ما تُراني وقد تبينتُ لحْدي
أتمنى على الزمان المُحالا
أن ترى النفسُ من جديدٍ مجالا
يُوسع الفكر والحياة انتقالا
* * *
يا نديمي: شاهتْ نفوسٌ ضِعافُ
تتقاوى كِذْباً فتزدادُ ضَعفا (71)
تستدِرُّ العطفَ الشياهُ العِجافُ
فإذا تِهْنَ زِدنَ عُجفاً وسُخفا (72)
ومدى العذرِ أنهنَّ خِرافُ
كنّ لحماً، وكنَّ صُوفاً، وظلفا
كم مُقلِّ بما يُكاثِرُ أصفى (73)
ومُسفٍّ عالى فكان الأسَفّا (74)
* * *
يا نديمي: ورهبةُ العَدمِ
شأنَ حبِّ الحياةِ، ملءُ دمي
وشبابٌ حصيلةُ الألمِ
ظل ذِكْرَى تُشابُ بالندمِ (75)
غير أني وجدتُ في الهرَمِ
طعمهُ الحلوَ عالِقاً بفمي
يا نديمي: وأرذلُ العُمُرِ
ما يُعيد التلوينَ في الصِغرِ (76)
* * *
يا نديمي: وأمسِ كان أجيرُ
وأجيرٌ منهم تعرَّتْ صدورُ
حَلقاتٌ بها استبدَّ الحبورُ
حولَ كأسي كؤوسُهم تستديرُ
يا نديمي: وفارَ فيَّ شعور
أنَّ نبعَ الحياةِ منهم يفورُ
إنَّ عُجبي لهذه الزُّمرِ
هو عُجبُ الحجولِ بالغُررِ (77)
يا نديمي وكان ليلٌ فجالا
فارسٌ يَبهرُ العيونَ اختيالا
شِمتُ فيه ممَّنْ عَرَفْتُ خيالا
هو أبهى شكلاً وأرفهُ حالا (78)
كان يُزهى فُتوةً وجمالا
كان شهماً للكادحين مثالا
كان رمزاً لسادةٍ أُخَرِ
غَيرِ أولاءِ سادةِ البَطرِ
|
(68) أتغنى شجونهم ” أحزانهم “: الأصل أتغنى بشجونهم أسقطت الباء فانتصبت شجونهم على نزع الخافض.
(69) الوجه في نصب نصف على الظرفية كأنه قال: غنيتهم نصف قرن.
(70) واو عمرو تكتب ولا تلفظ.
(71) تتقاوى: تتظاهر بالقوة وهي ليس لها.
(72) العجاف: الهزيلة.
(73) أصفى: أفلس.
(74) مسفٍ: واطي.
(75) تشاب: تمزج.
(76) أي يجعله يرى الجمال في الماضي…
(77) العجب اسم للاعجاب ( المصدر )، الحجول: بياض في أدنى قوائم الفرس.
والغرر بياض في جبهتها. فإعجاب الحجول بالغرر لا ينفعها شيئا…
(78) شام: لمح ( ورأى ).